بعد مضي نحو أربع سنوات على دخولها سوريا لدعم بقاء نظام بشار الأسد، حققت روسيا أربعة أهداف رئيسية: أولاً، تم القضاء على عدد كبير من المسلحين الذين خططوا للعودة إلى روسيا ودول جوارها، وهما يمثلان خطراً متساوياً عليها. ثانياً، تمكنت بشكل أو بآخر من إرساء استقرار في المنطقة القريبة منها جغرافياً، وهو أمر بالغ الأهمية لتأثيره بشكل مباشر على ضمان أمن روسيا في داخلها. ثالثاً، أقامت علاقات جيدة وعملية مع كل دول المنطقة على مبدأ الشراكة، وأحياناً التحالف مع بعض هذه الدول، ليس فقط مع تركيا وإيران، إنما مع بلدان أخرى، وأصبحت مواقعها في الشرق الأوسط أكثر استقراراً. رابعاً، تمكنت من الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، لأن اندلاع الفوضى كما حصل في ليبيا، وتطور الأحداث بصورة معاكسة وأسوأ، كان سيأتي بتداعيات سلبية لروسيا ومصالحها.
الرئيس فلاديمير بوتين أشار إلى هذه الإنجازات، في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، مؤكداً بقوله «حققنا أكثر مما كنا نتوقعه»، ويبدو أن الرئيس الروسي يفتخر بذلك، كون هذه الإنجازات تأتي تنفيذاً لنصيحة القيصر بطرس الأكبر (وهو من أعظم القياصرة الروس)، منذ نحو 400 عام، وورد فيها: «إذا أرادت روسيا أن تبقى أمة قوية عظيمة، عليها أن تحقق ثلاثة شروط في سياستها الخارجية»، لعل أهمها «أن تقيم أفضل العلاقات والتحالفات مع سوريا، نظراً لموقعها الجيوستراتيجي الذي يربط ثلاث قارات آسيا، أوروبا، وأفريقيا»، لذلك تعتبر سوريا أهم حليف استراتيجي لروسيا في المنطقة منذ أكثر من ستين عاماً، وتدير من خلالها جزءاً مهماً من سياستها الخارجية، وهي تمثل قاعدة مهمة للمصالح الاقتصادية والعسكرية الروسية. أما بالنسبة للهدفين الآخرين فهما: أولاً، على روسيا أن تصل إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط،، حتى لو اضطرت إلى تقويض الإمبراطورية العثمانية. وثانياً، أن تصل إلى المحيط الهادي، حتى ولو اضطرت إلى الصراع مع الإمبراطورية الفارسية. هل تستطيع روسيا «بوتين» تحقيق هذين الهدفين ؟..
انطلاقاً من ترسيخ نفوذها السياسي والعسكري لحماية مصالحها الاقتصادية، وهو يمتد على 49 سنة قابلة للتمديد لأكثر من 100 سنة، ويشمل استثماراً في مشاريع الطاقة (نفط وغاز وخطوط أنابيب) في سوريا، سجلت روسيا خطوات متقدمة في التعاون وحتى التحالف بعقد اتفاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية وصفقات أسلحة مع كل من إيران وتركيا، واستطاعت عرقلة عدة مشاريع أميركية في المنطقة. وفي الوقت نفسه تسارعت الخطوات لتنفيذ مشروع «السيل التركي» لنقل الغاز إلى أوروبا.
من الطبيعي أن يساعد هذا الاستثمار على ضمان مصالح روسيا في العراق، بعدما وقعت «سترويتر إنسغاز» اتفاقاً لإعادة بناء خط كركوك بانياس على الساحل السوري، ويمتد إلى الساحل اللبناني لتشغيل واستثمار منشآت النفط في طرابلس والذي التزمته «روسنفت»، إضافة إلى حصة «نوفاتيك» باستثمار البلوكين رقم 4 في الشمال و9 في الجنوب، والأخير موضوع نزاع كبير مع إسرائيل. ولم تفلح الوساطة الأميركية بحله، وربما يعود السبب إلى ابتعاد الشركات الأميركية، وخصوصاً «نوبل إنرجي» التي تستثمر الغاز الإسرائيلي، في حين بدأت روسيا بوساطة لترسيم الحدود البحرية بين شمال لبنان وسوريا.
لا شك في أن كل هذه التطورات تعتبر تحدياً كبيراً لشركات الطاقة الغربية، ونتيجة لذلك تقترب روسيا أكثر من ميزان قوى عالمي متعدد الأقطاب، سعت إليه منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، مع العلم أن الروس تمكنوا من إحداث اختراق في التحالفات المرتقبة، ولكن بالطبع لن تحل روسيا محل أميركا، مع التأكيد على أن انحسار الدور الأميركي في العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً، سيساعد في «تسخين» العلاقات مع موسكو، وفي إطار خلط أوراق كثيرة، قد تحدث توازناً في «لعبة الأمم» بين اللاعبين الإقليميين والدوليين.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية