يشفق سكان ميلانو على المسافرين المتجهين إلى روما من مشكلة القمامة المنتشرة في جميع أنحاء المدينة. وقد أرسل لي صديق من ميلانو صوراً لقمامة لم يتم رفعها من شوارع روما، وأخبرني آخر أن أحترس من الرائحة: «إذا لم تذهبي إلى هناك منذ فترة طويلة، استعدي للصدمة».
ويتم التخلص من تعبيرات القلق هذه بمجرد لمسة من الفرح، حيث إن روما، على العكس من ميلانو، يحكمها الآن رئيس بلدية ينتمي لحزب «الخمس نجوم». تأسس هذا الحزب السياسي الإيطالي الجديد على يد فنان كوميدي محترف اعتاد أن يصف السياسيين بأنهم «طفيليات»، وينتقد زعماؤه «المؤسسة»، وتمتلئ قوائمه الانتخابية بأشخاص لم يسبق لهم الترشح لشغل منصب من قبل. وبعد اجتياحها للسلطة، إثر موجة من الغضب، اصطدمت «حركة الخمس نجوم» بعقبات راسخة، ومنها إدارة الصرف الصحي في مدينة روما.
وبالطبع، تسيطر «حركة الخمس نجوم» على معظم روما. كما أنها تدير الحكومة الإيطالية بالمشاركة مع شريكها في التحالف، حزب «رابطة الشمال»، يختلف الحزبان حول أمور كثيرة، من التعيينات إلى الاقتصاد. لكنهما يتفقان في أمر واحد: لا أحد منهما يبدو أنه يعرف كيف سينفذ التغييرات الثورية التي وعد بها بالضبط. وهذه المعضلة مهمة حتى خارج حدود إيطاليا، حيث إن هناك قدراً كبيراً من اللغة الثورية التي يمكن سماعها على موجات الراديو الأوروبية في الوقت الحالي، دون تغيير فعلي يصاحبها.
ويكمن جزء من المشكلة في الافتقار إلى الخبرة. من الجيد جداً إدانة الطبقة السياسية بأكملها، وقطاع الأعمال ومهنة الطب، وطبقة القانونيين وأساتذة الجامعة. ولكن كيف يمكن إدارة الحكومة من دون أي من هؤلاء الناس؟ لقد واجه «البلاشفة» (وتعني الأكثرية وقد أطلقتها جماعة الجناح اليساري من أنصار لينين على نفسها) نفس المشكلة قبل قرن من الزمان، حيث قاموا أولاً بالقضاء على الحرس القديم (وهذا ليس خياراً في أوروبا الحديثة) وبعد ذلك سعوا باستماتة إلى استغلال من نجا منه.
وقد اختارت «حركة الخمس نجوم» بدلاً من ذلك أن تنتخب الغرباء، وكانت أحياناً تختارهم بصورة عشوائية، وهذا أمر عادل بما فيه الكفاية، حيث كانت السياسة دائماً تجدد نفسها بهذه الطريقة. لكنها اختارت أيضاً أن تضع على الفور بعضاً منهم، ليكون مسؤولاً عن الإجراءات البيروقراطية الكبيرة. وهذا ما حدث لـ «فيرجينيا رادجي»، عمدة روما الضعيفة، وهذا أيضاً ما حدث لزعيم «حركة الخمس نجوم» الحالي «لويجي مايو»، الذي لم يكمل تعليمه الرسمي ويبلغ من العمر 33 عاماً. وهو يشغل حالياً منصب نائب رئيس الوزراء، وكذلك وزير التنمية الاقتصادية، والعمل والسياسات الاجتماعية، ويواجه صعوبة في التكيف مع هذه المناصب.
والأمر الأكثر صعوبة هو مسألة التحالفات، سواء داخل إيطالياً أو خارجها. في مكتبه في روما، تحدث معي «جيانلويجي باراجوني»، عضو مجلس «الشيوخ» من حركة «الخمس نجوم»، والذي يتمتع بحضور إعلامي كبير، بإسهاب عن النظام المالي الدولي والضرر، الذي يلحقه بإيطاليا، وكذلك ظلم السوق الأوروبية الموحدة، حيث يمكن للشركات أن تختار الحصول على عمالة أرخص في جمهورية التشيك أو ضرائب أقل في أيرلندا. وبسؤاله عن الحلول، قال إنها كلها حلول سياسية: «إذا أردنا أن تكون لدينا سياسة أوروبية حقيقية، فأنت بحاجة إلى بنك مركزي أوروبي حقيقي ودستور أوروبي».
وبعبارة أخرى، فإن حزباً فوضوياً معادياً للأحزاب ويبدو أحياناً متشككاً في أوروبا بشكل قوي، ويريد المزيد من التنسيق، ومؤسسات مركزية أقوى وضرائب موحدة.. كلها أهداف لا يبدو أن «حركة خمس نجوم» قادرة بشكل فريد على تحقيقها. تنتمي معظم الأحزاب السياسية الأوروبية إلى تجمعات عبر أوروبا، وأحزاب شقيقة تسعى معها لتحقيق أهداف مشتركة. لكن حزب «الخمس نجوم» لا يستطيع العثور على أي حلفاء. ولم يستطع «باراجوني» تسمية أي حزب، ولا يزال البرلمانيون الأوروبيون في الحزب غير منحازين.
ومما لا يثير الدهشة، أن دعم حركة «الخمس نجوم» قد بدأ يتلاشى. فقد تراجع تأييده بنحو النصف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي أجريت في نهاية مايو، بينما ارتفع عدد الأصوات المؤيدة لشريكه في الائتلاف. ولا يزال حزب «رابطة الشمال» يتمتع بشعبية، وذلك بفضل قدرة زعيمه وزير الداخلية «ماتيو سالفيني» على الهيمنة على عناوين الأخبار. وهو يفعل ذلك من خلال الإدلاء بتصريحات فظيعة، معظمها عن الهجرة، ويستخدم منصبه لصنع الأخبار، كما حدث في الاعتقال الأخير لقبطان قام بإنقاذ مهاجرين في البحر.
بيد أن هذه الطريقة في ممارسة السياسة قد تكون قصيرة العمر. فقد تراجع عدد المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2015. وانتهت الأزمة، والعديد من المشاكل الفعلية التي تواجهها إيطاليا، من البطالة إلى ديون الحكومة، لا يمكن حلها، مرة أخرى، إلا بمساعدة الخبراء أو الحلفاء أو أحياناً المؤسسات الأوروبية التي يحب «سالفيني» انتقادها. وإذا استطاع الإبقاء على الناس غافلين حتى الانتخابات القادمة، ربما يستطيع تحقيق فوز كبير. ولكن إذا بدأت الحقيقة، سواء في شكل تكدس القمامة أو أي شيء آخر، في التأثير فجأة، ربما يواجه حزبه مصير «حركة الخمس نجوم»، أيضاً.
*كاتبة متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»