تشكل سياسة حافة الهاوية النووية التي تتبعها إيران سيفاً ذا حدين، إذ أعلنت الاثنين الماضي أنها تخطت أحد القيود الرئيسية المفروضة على مخزونها النووي والتي كانت قد وافقت عليها في عام 2015 ضمن إطار «خطة العمل الشاملة المشتركة» المعروفة بالاتفاق النووي. وصرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن بلاده تجاوزت حدود اليورانيوم منخفض التخصيب المتفق عليها، والبالغة 300 كيلوغرام. وأعلنت طهران يوم أمس الأحد، السابع من يوليو الجاري، نيتَها زيادةَ إنتاجها من اليورانيوم المخصب بدرجة تفوق الحد الأقصى المسموح به، وهو 3,67% المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وأنها ستبدأ فعلياً بزيادة الإنتاج. وربما ترفع تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20%، وبذلك تكون قريبة بشكل مثير للقلق من المستوى اللازم لصنع سلاح نووي. وقال نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن بلاده لا تزال تريد إنقاذ الاتفاق، لكنه ألقى باللوم على الدول الأوروبية لأنها لم تف بالتزاماتها! فهل تريد إيران الانسحاب فعلياً من الاتفاق النووي؟ أم أن خطواتها تدخل في نطاق ممارسة الابتزاز السياسي للدول الأوروبية لتفعيل الآلية المالية «إينستكس»؟ وهل ستجدي سياسة «اللعب بالنار»، كما وصفها ترامب، في الالتفاف على العقوبات الأميركية أو حتى في صياغة شروط جديدة لتنفيذ الاتفاق؟
لقد نددت كل من الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا بمحاولات طهران، وسعت فرنسا للتدخل كوسيط إذ طالب رئيسها بالتهدئة، وقال إنه سيناقش مع الأطراف المعنية شروط استئناف الحوار. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جانبها عقد اجتماع طارئ في 10 يوليو، بطلب من الولايات المتحدة، لبحث انتهاك إيران بنودَ الاتفاق النووي في الوقت الذي تناور فيه بالقول إنها لم تنتهك الاتفاق، وإن إجراءاتها جاءت وفق الفقرة 36 التي تعد الضمانة التنفيذية للاتفاق النووي!
وعلى مدى العقود الماضية، عملت إيران على تطوير برنامجها النووي من خلال استغلال الثغرات وتقليص الخطوط الحمراء المتغيرة للمجتمع الدولي حول أنشطتها النووية، لكن التطورات المتسارعة تشير إلى أن إيران لم تعد ترى في الاتفاق النووي مصلحةً، لاسيما وأنها لم تحصد ثماره الاقتصادية، فيما تحاول دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها فرنسا، تخفيف حدة التصعيد في الخليج، والسعي للحفاظ على الاتفاق النووي، إذ ظل المسؤولون الأوروبيون يحذرون طهران من أن الإخلال بالتزاماتها سيدفعهم للتخلي عن جهودهم لدعم الاتفاق النووي ومحاولة دفع الآلية المالية الأوروبية «إينستكس»، والتي عولت عليها طهران كثيراً للالتفاف على العقوبات الأميركية بما فيها بيع النفط كشرط رئيسي لعدم الخروج من الاتفاق. وفي بيان مشترك، حث وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إيرانَ على التراجع عن زيادة مخزون اليورانيوم المخصب، وعلى الامتناع عن أي إجراءات تقوض الاتفاق النووي. وأكدت وزيرة الخارجية الأوروبية فدريكا موغيريني أن الآلية المالية «إينستكس» أصبحت جاهزة، وأن أولى العمليات أصبحت قيد الدرس، لكن الجانب الإيراني ضرب بالنصائح الأوروبية عرض الحائط. وصرح «ظريف» أنه بمجرد أن تلتزم الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بتعهداتها وفق الاتفاق، فإن طهران ستعود عن إجراءاتها، معتبراً أن آلية «اينستكس» المالية الأوروبية هي مجرد خطوة تمهيدية من أوروبا للالتزام بالتعهدات.
وقد يدفع الإصرار الإيراني على سياسة حافة الهاوية الدولَ الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات للتخفيف من حدة العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني المنهار، مع منح إيران قدرةً محدودةً على تصدير النفط وفق الآلية الأوروبية. وفي هذه المرحلة ستطرح فكرة مفاوضات جديدة بين إيران والولايات المتحدة، لكن ذلك مرهون بتخفيض حدة التوتر في المنطقة وبتقديم التنازلات المشتركة دون الاستجابة للغرور السياسي الإيراني.