يوم 12 يونيو الماضي، أنقذت سفينة «سي ووتش3» الألمانية التي تديرها جماعة أهلية وتقودها القبطانة «كارولا راكيتي» 53 مهاجراً يائساً في المياه الدولية قبالة ليبيا. وبدلاً من العودة بهم إلى ليبيا حيث يواجهون ظروف غير إنسانية هناك، اتجهت «راكيتي» البالغة من العمر 31 عاماً إلى إيطاليا حيث أغلقت حكومة شعبوية هناك موانئ البلاد أمام المهاجرين.
وبعد مأزق استمر أسبوعين مع السلطات الإيطالية، أعلنت «راكيتي» «حالة الضرورة» وبعد أيام قليلة رست بسفينتها في جزيرة لامبدوسا. و«راكيتي» تواجه حالياً احتمال محاكمتها والحكم عليها بالسجن لفترة طويلة. وإذا كان عمل «راكيتي» بطولياً، فهذا يرجع إلى حد كبير إلى أن سياسة أوروبا في الهجرة تمكن اعتبارها «فضيحة».
وكلمة السر في سياسة الهجرة الأوروبية هي التفويض للقيام بالمهمة. ففي عام 2016، وافق الاتحاد الأوروبي على أن يدفع لتركيا ستة مليارات يورو لوقف تدفق اللاجئين السوريين والمهاجرين الآخرين الذين أغرقوا أوروبا في صيف 2015. والخطة نجحت فقط من حيث أنها جعلت الأزمة تتوارى قليلاً عن الأنظار، ومن ثم توارى معها الإحساس الدفين بالمسؤولية وبالذنب. ولا أحد يبالي حالياً بظروف حياة هؤلاء اللاجئين في تركيا، فلربما هم أحسن حالاً على الأقل مما كانوا عليه في مدينة حلب السورية مثلاً.
ولأوضاع المهاجرين المحاصرين في ليبيا قصة أخرى. ففي فبراير عام 2017، أبرمت حكومة إيطالية من يسار الوسط بدعم من الاتحاد الأوروبي اتفاقاً يسمح لليبيين باعتراض المهاجرين مع تقييد شديد لقدرة المنظمات الأهلية على مساعدة المهاجرين المعرضين للخطر.
وأجدت الخطة أيضاً نفعاً. فقد منع الليبيون تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا، ولم يبذلوا إلا القليل من الجهد لمنع كثيرين من الغرق. والمهاجرون الذين اعتقلوا في أعالي البحار أرسلوا في حالات كثيرة إلى مراكز الاحتجاز، وهو ما يعتبر أحكاماً بالإعدام.
وكما كتب «ماتيو فون روهر» في افتتاحية دير شبيجل «سياسات الهجرة اليوم في الاتحاد الأوروبي أكثر وحشية من تلك التي يتبعها دونالد ترامب». وهذه الملاحظة تدفعنا للتفكير في ثلاث نقاط تتعلق بأزمة الحدود الأميركية.
أولاً: ما يحدث على الحدود الأميركية ربما يثير الغضب، لكنه أقل إثارة للغضب من محاولات الدول الأخرى الجاذبة للمهاجرين للتحكم في تدفق لا يمكن التحكم فيه من المهاجرين. وهذا يدفعنا إلى التخفيف من حدة الحديث عن «معسكرات تصفية»، وصفات أخرى مبالغ فيها لوصف نظام عفا عليه الزمن. فإذا كانت محطة لخفر حدود مثل تلك التي في مكآلان بتكساس «معسكر تصفية» كما وصفها بعض التقدميين، فما عساهم يصفون منشآت الاحتجاز الليبية التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي في أمنه؟
ثانياً: عدم تجريم عبور الحدود وتوسيع إمكانية الحصول على الخدمات الصحية للمهاجرين غير الشرعيين، كما اقترح بعض المرشحين «الديمقراطيين»، سيجعل الأزمة أكثر سوءاً بكثير. فقد اعتقل ما يقرب من 132 ألف شخص عند الحدود الجنوبية في شهر مايو الماضي، أي أكثر تسعة أمثال من عدد الاعتقالات التي تمت في مايو عام 2017. ووجود حدود مفتوحة بحكم واقع الحال من ذاك النوع الذي حدث لفترة قصيرة عام 2015 في أوروبا سيجعل الأرقام ترتفع مما يؤدي إلى رد سياسي معاكس قد يجعل المشاعر الجياشة الحالية المناهضة للهجرة تبدو هادئة. وقسوة السياسة الأوروبية الحالية ناتجة عن سياستها الفضفاضة التي اتبعتها قبل أربع سنوات. ولا أحد يهتم بمصالح المهاجرين في المستقبل يريد حدوث الشيء نفسه.
ثالثاً: اتباع سياسة هجرة عقابية تماماً لن تجدي نفعا أبداً. ففي أميركا الوسطى، يفر المهاجرون من ظروف سيئة، أسوأ من أي ظروف تستطيع هذه الإدارة إلقاءهم فيها. وبناء جدار على امتداد الحدود لن يوقف عامل الطرد في البلاد الأصلية. ومعالجة الأوضاع الطاردة في دول المنشأ هو الحل الأمثل. وهذا يعني مسعى مستدام من الولايات المتحدة لتقليص الجريمة وتحسين أساليب الحكم وتيسير نمو اقتصادي في السلفادور وهندوراس وجواتيمالا. وهذه السياسة لا تحظى بشعبية ويطلق عليها بناء الدول، لكنها أفضل من السياسات التي تتبعها حالياً الدول على جانبي الأطلسي تجاه المهاجرين.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/07/05/opinion/immigration-trump-southern-border.html