كشفت حكومة رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» التي عادت إلى السلطة بعد فوز انتخابي كاسح عن أول ميزانية لها في البرلمان في الأيام القليلة الماضية. وجاءت الميزانية أقل من التوقعات في ظل رد فعل معاكس من الأسواق مع عجز الحكومة فيما يبدو عن تحقيق إصلاحات واسعة النطاق. وهذا صحيح بشكل خاص فيما يتعلق بزيادة الإنفاق العام لتعزيز النمو والتصدي لبطء النمو الذي يشهده الاقتصاد الهندي.
وكانت الحكومة قدمت، قبل الانتخابات، ميزانية مؤقتة في فبراير في فترة ولايتها السابقة ركزت فيها على ريف الهند والفقراء.
وبعد العودة القوية إلى السلطة في فوز كاسح أضعف المعارضة في حملة تم خوضها على أساس قضايا اقتصادية وغيرها، تواجه الميزانية انتقادات وأدت إلى خيبة رجاء. والاقتصاد الهندي كان من بين أسرع الاقتصادات نمواً محققاً معدلات نمو بلغت 7%، وهي نسبة أعلى من معظم الدول. ويعاني الاقتصاد حالياً من نمو في عدد العاطلين عن العمل، وهناك دلائل واضحة على الضيق وبطء النمو بناء على مؤشرات اقتصادية متعددة. فمن يناير إلى مارس من هذا العام، تباطأ النمو السنوي ليبلغ أكثر قليلاً من 5%. ومبيعات السيارات انخفضت بنسبة 8% بين عامي 2018 و2019. والأجور في الريف ظلت راكدة كما تتقلص فرص العمل التي تمثل مشكلة أساسية تتصاعد في اقتصاد الهند الزراعي أساساً. وما ساهم بشكل أكبر في الشعور بالضيق هو أن البطالة سجلت أعلى معدل لها في 45 عاماً لتبلغ 6.1% بين عامي 2017 و2018.
الأمور لا تبدو وردية في الجبهة الاقتصادية، إذن، كما تزعم حكومة مودي. وفترة الولاية الأولى لحكومة «مودي» تعلقت بتنظيم البيت الداخلي بعد حال من الشلل السياسي ومزاعم بالفساد كان يقودها حزب «المؤتمر». ولذا، كان يُنظر إلى حكومة «مودي» في فترة ولايتها الأولى بأنها تحمي نفسها بإلقاء اللائمة على حكومة حزب «المؤتمر» السابقة في كل المشكلات التي تواجه البلاد. لكن الآن بعد أن حكمت خمس سنوات لن يكون من السهل على حكومة مودي أن تواصل إلقاء اللوم على الحكومة السابقة، وبالتالي سيتعين عليها أن تتخذ إجراءات لتخفيف حدة المآسي الاقتصادية التي تواجه البلاد.
وإلقاء نظرة عن كثب على الميزانية يوضح أن الحكومة تأمل في دعم نمو اقتصادي من خلال تعزيز الاستثمارات الأجنبية بدلاً من نمو مدعوم بالاستهلاك. وتتطلع الحكومة إلى فتح الاقتصاد أمام الاستثمارات الأجنبية في مجالات مثل النقل الجوي والتأمين والإعلام والرسوم المتحركة من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية وتحويل الهند إلى اقتصاد تبلغ قيمته خمسة تريليونات دولار في السنوات القليلة المقبلة.
ورغم التصريحات الكثيرة، يتوقف الأمر في جانب كبير منه على التطبيق في أرض الواقع التي عانى فيها الاستثمار من مجموعة مشكلات من قلة توافر رأس المال ومشكلات الاستحواذ على الأراضي إلى التلكؤ في إصلاح قوانين العمل. ووعدت الحكومة بأنها ستيسر بشكل أكبر الإجراءات من خلال حوافز للأداء الجيد والقيام بإصلاحات هيكلية كبيرة، خاصة في مجالات فرض ضرائب غير مباشرة والإفلاس والاستثمار العقاري.
وتتطلع الحكومة أيضاً إلى وسائل أخرى عدة لتعزيز العائدات، بما في ذلك زيادة الضرائب على من يتقاضون دخلاً سنوياً خاضعاً للضريبة يبلغ 25 مليون روبية بواقع 3% وعلى من يحصلون على 50 مليون روبية في العام بواقع 7%. ومسعى فرض ضرائب على الأغنياء يثير للجدل لكن الحكومة توضح للأغنياء أنه يتعين عليهم المساهمة في تحقيق مصلحة البلاد العامة. والذهب سيصبح أكبر غلاء مع زيادة الرسوم الجمركية عليه من 10% إلى 12.5%.
ومن الواضح أن الحكومة تستلهم تعزيز النمو الاقتصادي من الصين صاحبة أسرع الاقتصادات نمواً في العالم حالياً، وهي تركز أيضاً على النمو الاقتصادي المدعوم بالاستثمار. ومن الواضح أن الحكومة تأمل أن تبلغ قيمة الاقتصاد خمسة تريليونات دولار من خلال الاستثمار وليس من خلال الاستهلاك المحلي. ومن الواضح أن الهدف يكمن في تحقيق استراتيجية نمو يقودها الاستثمار. ونتيجة لهذا تركز الحكومة على حشد الاستثمار في القطاع الخاص في البنية التحتية. لكن هذه الاستراتيجية تتطلب تنفيذ سياسات كثيرة مثل تعديل قوانين ولوائح في مجالات مثل الاستحواذ على الأراضي، وإصلاح قوانين العمل، وحسم أسرع في النزاعات ورأس المال منخفض التكلفة.
وأدخلت الميزانية أيضاً سلسلة من الإجراءات الصديقة للشعب مثل إمكانية السحب على المكشوف تصل إلى 5000 آلاف روبية للنساء اللائي يعشن حياة تعاونية ويمثلن جماعات صغيرة من الفقراء. وأعلنت الحكومة أنها ستقيم «بورصة اجتماعية» تحت إدارة «هيئة البورصة والأوراق المالية الهندية» لإدراج المشروعات والمنظمات التطوعية التي تعمل في المجال الاجتماعي. وبينما قُدمت الميزانية باعتبارها رؤية الحكومة الاقتصادية، فلا شك في أن لديها أكثر من مهمة شاقة كي تصلح مشكلات البلاد الاقتصادية.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.