تختلف رحلات الرسل فيما بينها، طولاً وقِصراً، في المكان والزمان. فرحلة إبراهيم عليه السلام أطولها في المكان وربما في الزمان أيضاً، إذ امتدت من شمال العراق إلى وسط شبه الجزيرة العربية عبر الصحراء الكبرى. ورحلة كل من يوسف والمسيح عليهما السلام كانت متوسطة في المكان طويلة في الزمان، من الشام إلى مصر، والقدوم إلى مصر طفلاً والعودة إلى الشام رجلاً. ورحلة موسى عليه السلام من جنوب وادي النيل إلى سيناء داخل مصر قصيرة نسبياً في الزمان والمكان. أما رحلة محمد صلى الله عليه وسلم فكانت أقصرها في المكان والزمان، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ثم العودة إلى مكة بعد عدة سنوات.
وقد تكون الرحلة من نبي إلى نبي ليتعلم منه ويتبادلا التصديق، كما في رحلة عيسى إلى يوحنا المعمدان (يحيى ابن زكريا) وقبول طقس التعميد على يديه. ثم يرحل يوحنا المعمدان لمقابلة عيسى قبل أن يرفع الله المسيح إليه، وكان عيسى ويوحنا يعرف كل منهما مصير الآخر.
ولمصر مكانة خاصة في رحلات الأنبياء والرسل، كمكان متوسط بين الشمال والجنوب، بين الشام والحجاز. فإبراهيم غادر شمال العراق إلى مصر عندما أرادت زوجته العاقر «سارة» البحث له عن زوجة أخرى، حيث تزوج بـ«هاجر» من مصر.
ويوسف باعه تجار مصريون بثمن بخس بعد أن أخرجوه من البئر وذهبوا به إلى مصر. وموسى بعد أن وضعته أمه في صندوق في اليم ووجدته امرأة فرعون على شاطئ النيل، تربى وترعرع في مصر قبل أن يغادرها. وعيسى هربت به أمه إلى مصر. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يذهب إلى مصر، لكنه صاهر المصريين وتزوج من «مارية» القبطية وأوصى بأقباط مصر خيراً: «جندها خير أجناد الأرض وشعبها مرابط إلى يوم الدين»، وقد بشّر أصحابه بفتحها. فمصر لها مكانة خاصة في حياة الأنبياء والرسل، كونها ظلت على مر التاريخ بلد الأمن والأمان. فهي محطة للأنبياء، وما زالت إلى الآن حاضرة الإسلام والمسلمين. وقد غالى بعض المؤرخين في أحكامهم حين اعتبروا الدين اختراعاً مصرياً خالصاً منذ أخناتون والفرعنة الأوائل، حيث كانت عبادة الشمس مصدر الدفء والحرارة والطاقة، وعبادة النيل مصدر الري والزراعة، وعبادة الحيوانات مصدر الحياة والخصوبة، وعبادة فرعون رمز السلطة والقوة والإرادة.
وليس من الضروري أن تظهر البنية كاملة في رحلة كل رسول، وإنما قد يظهر أحد جوانبها فحسب ليتفرد بها، مثل الميلاد المعجز لعيسى بن مريم، وكذلك رفعه إلى السماء: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ»... «إذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ». فهذا لم يحدث لأي رسول آخر. وقد يظهر جانبان للنبي بين رسولين، مثل مخاطبة الملوك عند يوسف وموسى، في حين خاطب باقي الأنبياء أقوامهم، كما هو الحال لكل من إبراهيم وعيسى ومحمد عليهم السلام جميعاً.
الأذى عنصر ثابت تعرض له جميع الأنبياء والرسل تقريباً، حتى يوسف الذي تم إلقاؤه في الجب من إخوته وهو طفل، تم اتهامه كذباً، وهو رجل يافع، من امرأة العزيز. فالحق على مر الزمن مكروه من الباطل، والخير مستبعد من الشر.
وتخضع بنية الرحلات الرسولية لقانونين أساسيين: الأول هو «التشابه والاختلاف»، والثاني هو «الطرفان والوسط».. الأول قانون الأضداد، والثاني قانون التوسط. ويتحقق هذا القانون في قصص الأنبياء ورحلاتهم، أي في الروايات، والرواية إدراك في ذهن الراوي.


*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة