إسرائيل تستعجل الخطوات التنفيذية ليس فقط للتملص من حق العودة الذي كفلته الأمم المتحدة بقرارات دولية وتوطين اللاجئين حيث هم في الخارج، بل باستخدام وسائل الضغط كافة لتهجير فلسطينيي الداخل في الوقت الذي تسعى فيه لترسيخ يهوديتها، جغرافياً وسكانياً، عبر محاولات حثيثة ومتسارعة لتهويد الزمان والمكان.
إذا كان الجانب الاقتصادي من ما يسمى «صفقة القرن»، والذي كشف عنه جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويتضمن تخصيص تعويضات بقيمة 50 مليار دولار، يشكل مدخلاً لتمهيد الطريق للبعد السياسي من الصفقة، التي لم تخف «الدعوة إلى توطين دائم للفلسطينيين في الأماكن التي يقيمون فيها، بدلاً من عودتهم إلى أراضٍ أصبحت الآن في دولة إسرائيل»، كما يدعي كوشنر، فإن مسيرة هذه الطريق ينتظر أن تكون طويلة جداً وغير معبدة، بل مليئة بألغام وعثرات متعددة ومتنوعة، وتصطدم بصعوبات كبيرة، تتجلى من خلالها إرادة شعب مظلوم طرد من أرضه، ويعاني كل يوم منذ نحو 71 سنة ويلات وقهر سلطة الاحتلال، ومن سياسات التهميش الاقتصادي والتمييز ومصادرة الموارد والأراضي وتجنيد الاقتصاد الفلسطيني لخدمة مشروعها القومي. وهذا الشعب يتحدى دائماً «الموت من أجل الحياة».
في مطلع التسعينيات، برز حل للنزاع العربي – الإسرائيلي بزخم قوي على أساس أن تقام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وفي كتابه «الشرق الأوسط الجديد»الذي صدر عام 1993، جسد شيمون بيريز ذلك، واعداً بمستقبل زاهر للمنطقة التي ظلت تعلق الآمال على حل الدولتين طوال فترة 26 سنة الماضية، إلى أن انتهى كل شيء بما يسمى«صفقة القرن» التي حطمت هذه الآمال بعيداً عن تحقيق السلام والديموقراطية والازدهار، أما الأسباب فهي لا تعود فقط إلى طبيعة الحركة الصهيونية وتحولها الحتمي إلى العنصرية وإقامة نظام الفصل العنصري، بل أيضاً بسبب تحول الولايات المتحدة الأميركية في مرحلة معينة من «إمبريالية كلاسيكية» إلى «إمبريالية عسكرتارية» ومدمرة.
ويبدو أنه يوجد خلاف كبير حول الخطوات التنفيذية ل«صفقة القرن»، فالجانب الأميركي طرح مشروعه معتمداً على ضرورة الصبر والصمود لتذليل الصعوبات التي تتطلب وقتاً طويلاً، وربما يستشهد بذلك ب «وعد بلفور» الذي أطلقته بريطانيا عام 1917، ونفذ عام 1948، بقيام دولة الكيان الصهيوني،. في حين أن إسرائيل تستعجل الخطوات التنفيذية ليس فقط للتملص من حق العودة الذي كفلته الأمم المتحدة بقرارات دولية وتوطين اللاجئين حيث هم في الخارج، بل باستخدام وسائل الضغط كافة لتهجير فلسطينيي الداخل في الوقت الذي تسعى فيه لترسيخ يهوديتها، جغرافياً وسكانياً، عبر محاولات حثيثة ومتسارعة لتهويد الزمان والمكان.
وإضافة إلى الثورة الديموغرافية اليهودية وانعكاساتها وأخطارها، مع الأخذ بالاعتبار تسارع نمو عدد سكان «الحريديم»، حذر بعض الخبراء اليهود من خطر الديموغرافية الفلسطينية التي وصفت ب «قنبلة الأرحام».
وفي هذا السياق تنبأ كبير الديموغرافيين «سيرجي ديلا فرغولا» بأنه خلال عدة سنوات سيتحول اليهود إلى أقلية في المساحة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن. أما الخبير «أرنون سوفر»، فقد توقع بدوره أن يسير الكيان نحو الانتحار، مؤكداً «أن الحل يكمن في التخلص من السكان وإقامة الجدار، لأنه الطريق الوحيد للانتصار على الرحم الفلسطيني، فإذا سقط هذا الجدار، سقط الكيان، بعد أن يغمرنا طوفان هائل من الفلسطينيين».
يستدل من بيانات وتقديرات دائرة الإحصاء الإسرائيلية، مدى أهمية وخطورة التطور الديموغرافي داخل فلسطين المحتلة، وبما يقلق الكيان على مستقبله، خصوصاً لجهة قدرة المجتمع الفلسطيني «الفتي» على الصمود لتحقيق قيام دولته. وقد كشف الجنرال إحتياط «عاموس جلعاد» رئيس «معهد هرتسيليا»، وأحد أبرز العقول الأمنية والاستراتيجية عن مقولة شديدة الخطورة تصف هذا الكيان بأنه «منزل محمي بجدران قوية بينما يأكله النمل الأبيض من الداخل».
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية