نشرت منظمة الصحة العالمية، منتصف الأسبوع الماضي، قائمة محدثة من الأدوية والعقاقير الأساسية، ومن الفحوصات الضرورية. وتأتي أهمية هذه القوائم من كونها تمكن السلطات الصحية، وخصوصاً في الدول النامية، من ترتيب أولوياتها بشكل صحيح، ومن توجيه مصادرها المالية -المحدودة في الغالب- نحو الاتجاه السليم، الأكثر فعالية والأقل تكلفة.
ويشير مصطلح الأدوية الأساسية إلى الأدوية الضرورية التي تلبي احتياجات الرعاية الصحية لغالبية السكان في مجتمع ما، ويفترض توفرها في جميع الأوقات، بكميات كافية، وبجرعات مناسبة، وبسعر يجعلها في متناول الغالبية. أما قائمة الفحوصات الضرورية، والتي نشرت للمرة الأولى العام الماضي، فركزت على عدد محدود من الأمراض الهامة، وبالتحديد مرض نقص المناعة المكتسب (الأيدز)، والملاريا، والسل بأنواعه، والتهاب الكبد الوبائي، وإن كان التحديث الأخير قد توسع في إضافة عدد أكبر من الأمراض المعدية، مثل الكوليرا، والبلهارسيا، والليشمانيا، وحمى الضنك، وفيروس الزيكا، بالإضافة إلى بعض الأمراض غير المعدية، خصوصاً الأمراض السرطانية، مثل سرطان الكبد، وسرطان البروستاتا، وسرطان الثدي، وسرطان عنق الرحم، وسرطان الأمعاء الغليظة والمستقيم.
وبناء على تلك القوائم، تقوم كل دولة على حدة، بإصدار قائمة بالأدوية الأساسية خاصة بها، تتوافق مع الأولويات والاحتياجات الصحية المحلية. وبالفعل، قامت أكثر من 150 دولة حول العالم بنشر قوائم رسمية محلية من الأدوية الأساسية، مكونة من قائمتين؛ الأولى تعرف بالقائمة الأولية، والثانية تعرف بالقائمة التكميلية، وهو النظام الذي تتبعه أيضاً منظمة الصحة في تصنيف القائمة الدولية العامة. وإذا ما دققنا النظر في القائمة الأولية الخاصة بالمنظمة الدولية، فسنجد أنها تتكون من الأدوية الضرورية لإدارة وتوفير نظام رعاية صحية أساسي، وتتضمن أكثر الأدوية فعالية، وأكثرها أمناً وسلامة للاستخدام ضد الأمراض الأكثر أهمية، والتي يتم تحديدها بناءً على أولويات الرعاية الصحية الحالية، بالإضافة إلى توقعات الاحتياجات المستقبلية. أما القائمة الثانية، أو القائمة التكميلية، فتعنى بالأمراض التي يتطلب تشخيصها وعلاجها إمكانيات طبية أكثر تخصصاً، ووسائل علاجية أكثر تعقيداً.
وقد اهتمت التحديثات الأخيرة الصادرة عن المنظمة العالمية للصحة، بموضوعين أساسيين، الأمراض السرطانية، والمضادات الحيوية. فعلى صعيد الأمراض السرطانية، ورغم أن السنوات الأخيرة شهدت قيام عمالقة صناعة الدواء العالمية، بطرح وتسويق عدد كبير من الأدوية والعقاقير، فإن القليل فقط منها ثبت بالدليل القاطع فعاليته، بدرجة تسمح بإدراجها في قائمة الأدوية الأساسية. حيث قامت المنظمة الدولية بإدراج 12 عقاراً جديداً فقط في قائمتها الأخيرة، ثبتت فعاليتها على صعيد زيادة معدلات النجاة، وهي عقارات تُستخدم لعلاج 5 أنواع من الأمراض السرطانية، هي سرطان الرئة، والبروستاتا، وسرطان الجلد (الميلانوما)، وسرطان الدم (اللوكيميا)، ونوع خاص من أنواع سرطان نخاع العظام. فعلى سبيل المثال، أثبت عقاران حديثان، يصنفان ضمن طائفة العلاج المناعي، قدرتهما على شفاء 50 في المئة من مرضى سرطان الجلد (الميلانوما)، وهو المرض الذي لم يكن له علاج حتى وقت قريب.
وعلى صعيد المضادات الحيوية، أكدت اللجنة المسؤولة عن الأدوية الأساسية على النصائح المتعلقة بتحديد أنواع المضادات الحيوية التي يجب استخدامها لعلاج الأمراض المعدية الخطيرة الأكثر انتشاراً، بغرض تحقيق أكبر قدر من الفعالية في العلاج، وفي الوقت ذاته خفض احتمالات تولد مقاومة ضد العقاقير المستخدمة. كما أوصت اللجنة بإضافة ثلاثة أنواع من المضادات الحيوية الجديدة، ضمن قائمة العقاقير الأساسية لعلاج حالات العدوى بالبكتيريا المقاومة لعدد كبير من المضادات الحيوية، والمعروفة بـ«البكتيريا السوبر».
ومن التحديثات الأخرى التي أضيفت للقائمة الأخيرة، طائفة الأدوية والعقاقير البيولوجية (Biologics)، ومثيلتها من المتماثلات البيولوجية (Biosimilars) والتي تستخدم لعلاج الأمراض الالتهابية المزمنة، مثل الروماتويد، والتهاب الأمعاء الغليظة المزمن. بالإضافة إلى تركيبة حديثة من عقار يستخدم لمنع نزف ما بعد الولادة، يتميز بأنه ثابت حرارياً، أي أنه لا يتطلب تخزيناً دائماً في برادات، وهو ما يعتبر ميزة كبيرة في الدول الحارة الفقيرة التي لا تتوفر لديها سلسلة من التبريد المتواصل، الأمر الذي من شأنه أن ينقذ حياة كثير من الأمهات كن يلقين حتفهن بسبب نزف ما بعد الولادة.
وتظهر هذه التحديثات، وغيرها، الأهمية الفائقة لقوائم الأدوية الأساسية، مما حدا بالعديد من المنظمات الخيرية العاملة في مجال الصحة الدولية، مثل منظمة «أطباء بلا حدود»، و«اتحاد الجامعات من أجل الأدوية الأساسية» المكون من أكاديميين في جامعات مختلفة في أوروبا وكندا والولايات المتحدة، إلى التنسيق فيما بينها لزيادة الأبحاث والجهود العلمية في مجال ما يعرف بـ«أمراض الفقراء»، ولإطلاق حملات دولية تهدف إلى توفير الأدوية الأساسية في الدول النامية والفقيرة.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية