أستاذ الأنثربولوجيا، العالم السعودي، الدكتور سعد الصويان، ابن عنيزة، عاش في كنف أبٍ شاعرٍ، بينما جده راوية، وهو ما أثر به فقرض الشعر، ولم يكتفِ بذلك، بل اتخذ من الشعر الشعبي مادة لدراسة علمية معمقة عن المجتمع والإنسان في السعودية خصوصاً، والجزيرة العربية عموماً، وهو أول من عمل على فهرسة الشعر النبطي، لإدراكه أنه الأثر الوحيد للثقافة المكتوبة، في بيئة الجزيرة الشفاهية.
عندما وضع كتابه اللافت: «ملحمة التطور البشري»، أول كتاب منهجي في علم الإنسان، باللغة العربية، والذي تشرفت دار (مدارك) بنشره، كان يخشى ألا يتسع، أفق المجتمع لاستيعاب الكتاب.
المجتمع تأخر في تقدير جهود الدكتور الصويان، العلمية، لكن النتيجة كانت إيجابية، فالكتاب الذي نُشر، كما يشتهي الدكتور الصويان، لا كما يتوقع، فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب، وهو يستحق ذلك بكل جدارة.
أصبح الكتاب، جزءاً من حديث الأكاديميين والباحثين والمتخصصين، وهرع الكثيرون لمعرفة محتواه!
كثيرون، لم يعرفوا أن بين ظهرانيهم عالماً انقطع للمعرفة، ونذر حياته ووقته للعلم.
في 11 يناير 2011، كتب البروفسور الصويان مقالة، في مجلة «المعرفة» عنوانها: «أنا والفشل»، قال فيها: «ومما يفاقم من الصعوبات التي تعترض سبيلي، في أداء مهمتي التوثيقية، وتدفع بها إلى طريق الفشل، أن بعض الجهات تعتبر ما أقوم به، مما يقع في دائرة المحظور، فلا تسمح لي الرقابة بالنشر محلياً، مما يضطرني للنشر خارج البلاد، وهذا فيه ما فيه من تكاليف ومن حجب إنتاجي العلمي عن متناول الناس هنا. لكن بالرغم من ذلك، فقد استطعت منذ أن انتهت علاقتي بدار الدائرة، أن أنشر العديد من المراجع المهمة والضخمة، آخرها كتاب الصحراء العربية: ثقافتها وشعرها عبر العصور، قراءة أنثروبولوجية (819 صفحة)، وكتاب أيام العرب الأواخر: أساطير ومرويّات شفهيّة في التاريخ والأدب من شمال الجزيرة العربية (1143 صفحة). وقبل ذلك كنت نشرت كتاب الشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النص (616 صفحة)، وكتاب فهرست الشعر النبطي (668 صفحة)، إضافة إلى بعض الكتب باللغة الإنجليزية، عدا عن العشرات من المقالات بالعربية والإنجليزية نشرت في دوريات علمية متخصصة».

هذا العالم الكبير، برغم التعثر الذي واجهه مشروعه لعدم إدراك المجتمع قيمته العلمية، قال بلغة فيها من الإحباط الكثير، في ذات المقال السابق: «أنا والفشل توأمان، ولدنا في يوم واحد من رحم واحد. وكيف لا يُمنى بالفشل، من يولد عربياً، في زمن لا تلقى فيه هذه البضاعة رواجاً عند أحد، خصوصاً إذا كنت من غير أبناء الذوات! كانت حاضنتي العوز والفاقة، وكانت مرضعتي التخلف والجدب الحضاري والفكري. ولدتني أمي وماتت وتركتني، ولحق بها أبي بعد ذلك بأشهر. كنت أستحم بالغبار وأصنع أدواتي من العظام وكرب النخل».
ورغم جهده المعرفي البارز، لا يتخلى عن تواضع الكبار عند الحديث عن كتابه الفائز بالجائزة، والذي مر الكثير من العمر في تأليفه، فيقول عن نفسه إنه: «مجرد جامع». ولا تخلو حوارات الصويان، من السمو والتواضع، وهما صنو العلم، إذ الشعور بالكمال، انتحار علمي حقيقي!
جمع الدكتور سعد، جملة من مقالاته المميزة، التي يمكن اعتبار كل منها مبحثاً زاخراً، تحت عنوان: «فسح سهواً»، وفيها بعض خلاصات تجارب العمر والعلم والعمل، وفيها يقول:
- «العربي والبعير لا غنى لأحدهما عن الآخر، ولا يستطيع أي منهما تحمل العيش في الصحراء بدون الآخر، لقد ترافقا في رحلتهما الطويلة عبر عصور التاريخ، وكانا خير عون أحدهما للآخر على طبيعة الصحراء القاسية. ثقافة الصحراء ورموزها تسكن الموروث اللغوي والشعري لأبناء الجزيرة العربية، بدوهم وحضرهم». (ص14).
-«العقل معالج، مثله مثل الكمبيوتر، إذا دخلته المعلومات لا يتركها لوحدها بصفائها، ونقائها الأصلي، بل يعالجها، ويتدبرها، ويتعامل معها... مهمة المعلومات، تحفيز الذهن، وتوجيهه، لاستخراج المعرفة، الكامنة فيه، كمون النار في الزند». (ص41).
لقد قدر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، هذه القامة، عندما اختاره ليكون عضواً في هيئة تطوير العُلا، المنطقة السعودية، التي تضم أكبر متحف مفتوح في العالم، فالصويان من صناع المعرفة، وناشريها بين الأجيال المتشوقة إلى العلم، وهو تقدير جعله يستعيد وهجه العلمي، ما ردم كثيراً من ألم عدم تقدير المشاريع العلمية البارزة، لرمز علمي، يستحق أن يفخر به الوطن، وأبناء الوطن.
*سفير المملكة في الإمارات