منذ أيام انتهيت من قراءة كتاب يتحدث عن «دور الحضارة العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية» لهاني مبارك والدكتور شوقي أبو خليل. الكتاب ومنذ البداية يضع لنا تعريفاً للحضارة، وماذا تعني، حيث يقول: إنها محاولات الإنسان لاستكشاف الاختراع والتفكير والتنظيم والعمل على استغلال الطبيعة، ولا شروط عرفية لقيامها، وهي تنتقل إلى الآخر عن طريق الهجرة أو التجارة أو الحوار. ويضيف الكتاب مبيناً أن للحضارة مظاهر سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية ودينية وفنية.
والعلماء المسلمون عندما نقلوا حضارات وعلوم الآخر (الفرس واليونان والهند وغيرهم)، لم ينقلوها مجرد نقل وترجمة، بل تميز نقلهم وترجمتهم بإعادة التفكير والنظر في العلوم اليونانية والفارسية والهندية وغيرها من العلوم، وطوروها إلى درجة أن المستشرقة الألمانية الدكتورة زيغريد هونكه قالت: «إن ما قام به العرب المسلمون لهو عمل إنقاذي له مغزاه الكبير في تاريخ العلم»، حيث قرأ العرب ما عندهم وما عند غيرهم، فكانت القراءة طريق رقيهم وتقدم معارفهم التي تطورت إلى علوم. واستمر الرقي والتقدم بهذه العلوم عن طريق الكتابة وتزايد أعداد العلماء. وعلى مدى قرون كانوا غاية في التحرر الفكري حين أيقنوا أن العلم كالغذاء والكساء والدواء متاح للجميع وضروري للجميع.
ويؤكد المؤلفان على أنه في الوقت الذي كانت أوروبا غارقة في مستنقعات التعصب والجمود الفكري، كانت الحضارة العربية والإسلامية مزدهرة تقدم في كل يوم جديداً في ميادين العلم وعلى أيدي مئات بل آلاف من العلماء، من شرق الإمبراطورية الإسلامية وغربها، الكثير، إلى أن قالت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه إنها أرادت أن تقدم للعرب الشكر على فضلهم الذي حرمهم من سماعه طويلاً تعصب أعمى وجهل أحمق. وتضيف: لقد حان الوقت للتحدث عن شعب قد أثر بقوة على مجرى الأحداث العالمية، وقد أصبحت تدين له الإنسانية كافة بالشيء الكثير. وتعترف هونكه أن علماء أوروبا طمسوا ما للعرب من فضل وجهد حضاري، وتقول: من يتصفح منا كتاباً تاريخيا لا يكاد يجد اسماً لذلك الشعب، أي العرب، في ثمانية وتسعين منه.
لقد قام العرب والمسلمون بدور حقيقي في الحفاظ على التراث الحضاري للشعوب القديمة، من يونان وفرس وهنود وغيرهم، حيث درسوا ذلك التراث بعد ترجمته وعرضه على مقاييس العقل وتصحيح أخطائه وإكمال نواقصه وأوجه قصوره، وقبول صحيحه ومتابعة أبحاثه ودراساته، حتى أصبحت علوما جديدة متقدمة متطورة على أيدي العلماء المسلمين.
لقد زالت حجب التعصب من عيون فئة مستنيرة من الأوروبيين، وبدأنا نقرأ ما تكتبه أقلام بعضهم مما يضع النقاط على الحروف ويكشف عوامل الافتراء والتزوير والسرقة.
لقد تخطى العرب علوم اليونان التي نقولها إليهم وتفوقوا فيها تفوقاً عظيماً. لذلك يقول ول ديورانت: «أثبتت الحضارة الإسلامية أنها أرقى من الحضارة الأوروبية في رقتها وأسباب راحتها وتعاليمها وأساليبها الحربية».
وبالفعل، فقد تأثرت أوروبا بالحضارة العربية والإسلامية، ودخلت آلاف الكلمات العربية إلى اللغات الأوروبية، ومعها أسرار الصناعة الحربية والمدنية العربية التي أدت إلى تحسن الصناعة في أوروبا، كما احتك ملايين الأوروبيين بالتجار العرب القادمين من شمال الأندلس، وكانت أوروبا تستعين بالخبراء والمستشارين العرب في كل مجال للنهوض ببلدانها.
*كاتب إماراتي