في الوقت الذي تركز فيه القوى السياسية الإسرائيلية المتنوعة، في معسكرات اليمين بقيادة نتنياهو واليسار والوسط بقيادة الجنرال جانتس، على بعدين للتسوية السياسية، هما بعد التسوية مع السلطة الفلسطينية من ناحية ومع العالم العربي من ناحية أخرى.. ألقى أفيجدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، في إطار جولاته الانتخابية الحالية، خطاباً يعلن فيه أن السلام يجب أن يكون ثلاثي الأبعاد. والبعد الثالث الذي يشير إليه ليبرمان هنا هو تسوية ما يسميه الصراع مع عرب 1948 الذين يعيشون في داخل الخط الأخضر أو إسرائيل، كما حددت نفسها عقب حرب يونيو 1967، والذين يحملون جنسيتها. وهذا البعد سبق لليبرمان أن تطرق إليه من قبل، عندما اقترح أن تشمل التسوية مع السلطة الفلسطينية ترتيباً يضمن نقل المناطق الجغرافية التي يتركز فيها عرب 1948 إلى نطاق السلطة الفلسطينية، مقابل حصول إسرائيل على أراضٍ مساوية في المساحة من الضفة الغربية.
وقد قال ليبرمان في تصريحاته الأخيرة التي نقلتها مجموعة «تايمز أوف إسرائيل» الإخبارية: ليس لدينا صراع منفصل مع الفلسطينيين (يقصد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة)، وكل من يدعى ذلك لا يفهم ما يتحدث عنه أو أنه يتعمد تضليل المتلقي. وتقول صحيفة «تايمز» إن ليبرمان أوضح فكرته قائلاً بأن إسرائيل لا يمكنها التوصل مع الفلسطينيين إلى اتفاق سلام ما لم يعالج الاتفاق ما وصفه بـ«الصراع الأكثر تعقيداً»، ويقصد به الصرع بين إسرائيل ومواطنيها من العرب.
وتعلق الصحيفة الإسرائيلية على عبارة استخدمها ليبرمان، وهي قوله: «إن صراعنا مع العالم الإسلامي كله ومع العالم العربي بأكمله»، بالقول إن هذه التصريحات تضع إسرائيل في مواجهة مع مليار وثمانمئة مليون من المسلمين ومع اثنتين وعشرين دولة عربية. لقد طالب ليبرمان أمام مؤيديه بضرورة أن يكون اتفاق السلام ثلاثي الأبعاد وبشكل متزامن، ومع ثلاثة أطراف، هي: جامعة الدول العربية، والعرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ثم الفلسطينيين. وتشرح الصحيفة الإسرائيلية خطة ليبرمان بقولها: دائماً ما كانت مسألة إعادة رسم حدود إسرائيل لاستبعاد المراكز السكانية العربية، التي تقع على الجانب الإسرائيلي من الخط الأخضر، نقطة جوهرية في سياسات ليبرمان.
وتقوم خطة ليبرمان المذكورة، كما تبين صحيفة «تايمز»، على جعل المدن والبلدات الواقعة في منطقة المثلث في جنوب شرق حيفا، والتي تشمل المدن العربية المليئة بالسكان العرب، جزءاً من الدولة الفلسطينية، في أي اتفاق، مقابل ضم مناطق المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية إلى إسرائيل.
إن الدافع الذي يعلنه ليبرمان لتوجهه نحو هذا النوع من التفكير السياسي العنصري، هو ما يلاحظه من تضامن عرب 1948 مع أشقائهم في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة في تطلعاتهم نحو الاستقلال والتخلص من الاحتلال، وهو ما يعتبره عداءً لإسرائيل.
والغريب في هذا الصدد أن ليبرمان لا يلاحظ أن الأحزاب العربية الممثلة لعرب 1948 تطالب إسرائيل بتمكين الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة من تكوين دولته المستقلة التي تعيش في سلام مع إسرائيل، وهو نفس المطلب الذي ينادى به حزب «ميرتس» اليساري بقياداته اليهودية الإسرائيلية. وبدلاً من أن يتجاوب مع هذا المطلب العاقل، يتجه ليبرمان إلى المناداة بالتخلص من عرب عام 1948 ومناطقهم الجغرافية والسكنية.
*أستاذ الدراسات العبرية -جامعة عين شمس