اجتمعت، مؤخراً، مع بعض الشخصيات البارزة في الفضاء المتوسطي، والتي عرفنا قدرها عندما تأسس الاتحاد من أجل المتوسط سنة 2008، هذا الاتحاد الذي جمع في وقته 43 دولة. انتابت المجتمعين موجة من الأسف لما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة، ولعدم نجاح هذا الاتحاد في التواجد الاستراتيجي الذي أُريد له منذ البداية، ولتوقف اللقاءات الفكرية العديدة التي كانت تتم هنا وهناك، وكانت تحركها منظمات المجتمع المدني والجامعات والمؤسسات الاقتصادية والجيوسياسية المرموقة في المنطقة، إذ كان الجميع يؤمن بأن هذا الاتحاد ابتكار مؤسساتي، يهدف إلى خلق آلية شاملة موسعة ومرنة، بين دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط. فهو يضم مجموع دول المنطقة الأورو متوسطية، أي 27 دولة من الاتحاد الأوروبي و16 دولة من الضفة الجنوبية والشرقية، بما في ذلك الدول التي لا تمثل جزءاً من عملية برشلونة (البوسنة والهرسك، الجبل الأسود وموناكو).
ونفهم جلياً، لماذا عقد الرئيس الفرنسي، مؤخراً، مؤتمر «قمة ضفتي المتوسط»، في إطار الحوار (5 + 5) في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي يضم 5 دول في الضفة الجنوبية للمتوسط، هي موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، وخمس دول في الضفة الشمالية، هي البرتغال وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا ومالطا، محاولةً منه لإشراك كل من الاتحاد الأوروبي وألمانيا والمنظمات المعنية بالشؤون المتوسطية، وأبرز المنظمات الاقتصادية الدولية الحاضرة في المنطقة، ولإعداد خطة إيجابية جديدة لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وإحياء حركة التعاون في غرب حوض المتوسط، عبر تنفيذ مشاريع عملية في مجال التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة، والنظر إلى المشروعات الـ14 التي اختيرت من بين 260 مشروعاً، انصبت عليها اللجنة التحضيرية من كافة الأطراف، وتم إدراجها تحت اسم «المتوسط: فرص جديدة»، وهي تتطرق جميعها إلى الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والبيئة والتنمية الحضرية والشباب والثقافة واللغات والتعليم. ومن المشروعات الرائدة إيجاد شبكة مدارس تعلم «مهن البحر» على الضفتين، استجابة لمتطلبات «الاقتصاد الأزرق»، أي الاقتصاد البحري، وإيجاد «بيت الترجمة العربي– الأوروبي»، وربط المهرجانات المتوسطية بعضها ببعض.. كل ذلك من أجل إيجاد تضامن بين الشمال والجنوب.
لكن المتابعين اصطدموا بالنتائج المتواضعة لـ«قمة الضفتين»، لأن منظميها أرادوا تغييب السياسة عنها، فإذا بها تعود تلميحاً إلى الواجهة في الكلمة الختامية التي ألقاها الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث اعتبر أن ثلاث مسائل رئيسية كانت السبب في توقف عجلة تطور العلاقات بين الضفتين. وأول هذه العوائق وفق الرئيس الفرنسي، الماضي الاستعماري لأوروبا، وثانيها، وفق ماكرون دائماً، هو ارتدادات النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وثالث العوامل المعيقة الهجرات الجماعية وغير الرسمية التي تدفقت على الشواطئ الأوروبية، وكان من إفرازاتها صعود اليمين القومي في البلدان الأوروبية، كما برز في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا والدنمارك، وبلدان وسط أوروبا.‏
ولأن السياسة لم تكن «صديقة» للاتحاد من أجل المتوسط، في عهد الرئيس ساركوزي، ولا لمسلسل برشلونة في عهد الرئيس شيراك، فإن فكرة «القمة» التي هي في الواقع اجتماع أو ورشة عمل، انطلقت من مبدأين اثنين: أولهما الابتعاد عن صيغة الاتحاد من أجل المتوسط، الذي يضم في جغرافيته النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وحصر التلاقي بين بلدين ما يسمى «المتوسط الغربي». وثانيهما ترك السياسة جانباً ومشكلاتها (الحرب في ليبيا، والوضع في الجزائر، وموضوع الإرهاب والهجرات وتأشيرات الدخول.. إلخ)، والتركيز على المبادرات الصادرة عن المجتمع المدني، الذي كان حاضراً بقوة في مارسيليا.
وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الذي أدار النقاش، شدد على «الإنجازات». لكن وزراء الخارجية العشرة الذين حضروا، إضافة إلى وزيرة الدولة الألمانية، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي، والاتحاد من أجل المتوسط، ومنظمة التنمية والتعاون في أوروبا، والمؤسسات المالية الدولية، إنما جاؤوا وهدفهم المعلن إعادة إحياء التعاون، والعمل وفق «أجنده إيجابية» من خلال المشروعات المشتركة بين دول غرب البحر الأبيض المتوسط. لكن هل ستكون كل هاته النوايا الحسنة قادرة على تحويل الإرادات والعزائم التي برزت قبل إعلان برشلونة سنة 1995، وقبل الاتحاد من أجل المتوسط سنة 2008، واليوم مع قمة ضفتي المتوسط، إلى وقائع؟ أظن أن ذلك مسألة صعبة.
*أكاديمي مغربي