في يوم الثالث والعشرين من شهر يوليو الجاري اختار حزب «المحافظين» في بريطانيا الصحافي ووزير الخارجية السابق، وعمدة العاصمة لندن السابق أيضاً، بوريس جونسون، ليصبح زعيماً جديداً للحزب خلفاً لتريزا ماي التي قدمت استقالتها قبل أسابيع من الآن. ومن ثم سيصبح جونسون رئيس الوزراء الجديد للمملكة المتحدة، في خضم أزمة وفوضى وطنية بسبب الخلافات الداخلية والخارجية حول ملف الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «بريكست».
والتحديات التي يواجهها جونسون ساحقة، فبدايةً وقبل كل شيء، تعهّد الرجل بإنهاء عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي رسمياً بحلول تاريخ الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر المقبل، سواء تم التوصل إلى اتفاق نهائي يحدد شروط المغادرة أم لم يتم.
وقد أوضح الاتحاد الأوروبي مراراً أنه على الرغم من أنه قد يكون مستعداً لتعديل بعض الصياغات في اتفاقية الانفصال التي تفاوض عليها مع «ماي»، لكن جوهر الاتفاقية باقٍ كما هو ولن يتغير. وثم أعضاء كثيرون في البرلمان البريطاني (مجلس العموم) يخشون من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت» من دون اتفاق مسبق يحدد خارطة طريق الخروج، وربما يستخدمون أساليب برلمانية لمنع رئيس الوزراء الجديد من تطبيق سياسته المتمثلة اختصاراً في «المغادرة بغض النظر عن النتيجة»، من خلال إخضاعها (أي هذه السياسة) للتصويت. وفي مثل هذه الحالة، يمكن أن يجد بوريس جونسون نفسه من دون أغلبية برلمانية، ويمكن أن تُواجه حكومته تصويتاً على «سحب الثقة». وإذا مرّ التصويت، ففي ظل الظروف العادية، سيتعين عليه عرض استقالته، وربما الدعوة إلى انتخابات جديدة.
لكن الظروف الراهنة ليست عادية؛ فبريطانيا تواجه أسوأ أزمة منذ عام 1945، ومن ثم، في ظل مواجهة احتمال الانتخابات العامة السابقة لأوانها، وما قد تتمخض عنه من فوز لحزب العمال وإمكانية أن يصبح زعيمه اليساري المتشدد جيرمي كوربين رئيس الوزراء المقبل في المملكة المتحدة، فإن عدداً كافياً من «المحافظين» الذين لا يفضّلون جونسون ربما يضطرون إلى التصويت لمصلحته على مضض لإبقائه في السلطة وإبعاد «كوربين». وهذا ما يأمل «جونسون» في حدوثه. وجونسون شخص يميل إلى التفاؤل بطبعه، وينضح بالثقة حتى عندما لا تكون هذه الثقة مبرّرة.
ولـ«جونسون» كثير من المشجعين المحبين بين البريطانيين الشباب الذين يجدون في سلوكه «الغريب»، بما في ذلك شعره غير المصفف، سمات محببة لشخص مثقف وخفيف الظل تلقى تعليمه التقليدي في جامعات مرموقة مثل «إيتون» و«أكسفورد»، ويمكنه كتابة مقالات مسليّة. لكن منتقديه يعتقدون أنه لا شيء في سجل عمله في المجال الصحفي يدعو للإعجاب والانبهار، رغم أن كتاباته قد تكون مسلّية في بعض الأحيان، لكنه يمثل خطراً على المصالح الوطنية البريطانية، كما يعتقدون. وقد قارنه البعض بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، باعتباره متمحوراً حول ذاته، وليست لديه مبادئ قوية باستثناء ترويج نفسه.
ويواجه جونسون كذلك أزمةً دائرةً مع النظام الإيراني بشأن احتجاز الإيرانيين حاملة نفط ترفع علم بريطانيا في مضيق هرمز. ونظراً لأن بريطانيا، مثل دول أوروبية أخرى، لا تزال تأمل في حمل طهران على الوفاء بالتزاماتها المبرمة في الاتفاق النووي الموقع عام 2015، فليست هناك رغبة حتى الآن في لندن لاتخاذ موقف متشدد تجاه النظام في إيران، مثلما تفضل إدارة ترامب أن تفعل تجاهه.
لكن ستكون من أولى مهام جونسون أن يرى ما إذا كان بإمكانه إقامة علاقات مع ترامب أوثق من تلك العلاقات الفاترة بين رئيسة الوزراء السابقة «تريزا ماي» والرئيس الأميركي.
وإذا ما اتخذ موقفاً متشدداً تجاه إيران، فإن ذلك سيسبب مشكلات كبيرة له مع عدد من الدول الأوروبية، كما أن كثيرين في البرلمان البريطاني لا يفضلون ترامب، ويعتقدون أن الإدارة الأميركية عازمة على استخدام القوة ضد إيران.
ولعل أكبر تحدٍ سيواجه «جونسون» هو أن يبقي المملكةَ البريطانيةَ متحدةً. فقد أوضحت الزعيمة الاسكتلندية «نيكولا ستارجن» أنه إذا مضى «جونسون» قدماً في إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، فإنها ستدعو إلى استفتاء آخر على استقلال اسكتلندا. وترغب غالبية الناخبين الاسكتلنديين في البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي. وكذلك الحال في أيرلندا أيضاً، حيث توجد دعوات متزايدة لإنهاء العلاقة الدستورية بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة، وللنظر في إعادة توحيد الجمهورية الأيرلندية.
وفي ظل حكومة بقيادة «جونسون»، من المحتمل ألا تستمر المملكة المتحدة بصورتها الراهنة، ومن الممكن أن تبقى إنجلترا، وربما ويلز، تدافعان عن نفسهما في عالم أصبح أكثر توتراً، بينما أصبحت القومية والاستقلالية تحدياً عالمياً.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» -واشنطن