كانت عملية تعيين الجهاز التنفيذي الأوروبي الجديد طويلة بعض الشيء، وكانت موضع مفاوضات طويلة بين الدول المختلفة، لكن هل كان من الممكن أن تكون غير ذلك؟ الواقع أن ثمة اتحاداً أوروبياً، لكن كل دولة تسعى للحفاظ على مصلحتها الوطنية الخاصة، وبالتالي ينبغي إيجاد حل وسط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
وقد تعرض الفريق الجديد للانتقاد، أولاً من قبل البرلمانيين، إذ كان ثمرة عمل الحكومات أكثر منه نتيجة لعمل البرلمانيين أنفسهم. كما تعرض للانتقاد لأن الأعراف تقتضي تعيين زعيم الحزب الحائز صاحب الأغلبية، مانفريد ويبر، وهو ما لم يحدث بسبب شكوك تحوم حول زعامته. وانتُقد الفريق أيضاً لأن الأحزاب المدافعة عن البيئة، وهي قوة كبيرة جديدة في البرلمان الأوروبي، لم تشارك في عملية التعيين كما لم تحصل على مناصب في الجهاز التنفيذي الجديد.
لكن ثمة جوانب إيجابية، منها أن الرئيسة الجديدة للمفوضية، أورسولا فون دير ليان، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة، تتحدث اللغة الفرنسية، بل فرنسية الهوى. وقد لعبت دوراً مهماً في الدفع باتجاه انخراط ألمانيا في مشروع الطائرة الحربية الأوروبية المقبلة، والذي كان أساسياً للحفاظ على صناعة الدفاع الأوروبية في مواجهة الصناعة الأميركية. وإلى ذلك، فإن الرجل الذي سيصبح وزير الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي - بوريل - هو أيضاً ذو قناعات قوية بأوروبا ذات وزن ثقيل في العالم. وفضلاً عن ذلك، يمكن القول إن اختيار «لاغارد» رئيسة جديدة للبنك المركزي الأوروبي اختيار موفق، صحيح أنه لم يسبق لها أن كانت على رأس بنك مركزي، لكنها تتمتع بسمعة دولية جيدة، فالسنوات التي قضتها على رأس صندوق النقد الدولي جعلت منها وجهاً معروفاً جداً، لذا يمكن أن تكون صاحبة تأثير حقيقي. دورها الرئيسي سيتمثل في تأكيد مكانة اليورو على الساحة الدولية، والحرص على أن يكون موجوداً أكثر، وفي تقليص عدد الصفقات التجارية الدولية التي تتم بوساطة الدولار، أما شارل ميشيل، فاشتهر بميله للتوافقات والحلول الوسطى.
ويمكن القول: إن هذا الفريق الجديد سيكون أقوى أداءً من الفريق السابق، لكن زعماء البلدان الأوروبية الذين يعينون الجهاز التنفيذي ما زالوا منقسمين على أنفسهم بين رغبتين متناقضتين: ألا تكون ثمة منافسة لصلاحياتهم الخاصة، وأن تكون المفوضية ضعيفة، أو تعزيز صلاحيات المفوضية وتقويتها مع وجود شخصيات داخل الجهاز التنفيذي الأوروبي قادرة على إسماع صوتها، وأحياناً على معارضة الدول الأوروبية.
وهذه هي النسخة الثالثة لهذا النوع من التعيينات منذ اتفاقية لشبونة، ويلاحظ أن صلاحيات الجهاز التنفيذي واختصاصاته تتعزز مرة بعد أخرى.
والواقع أن المباحثات بين أنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون هي التي أفضت إلى هذا التعيين، وهذا مدعاة للتفاؤل، كون الثنائي الفرنسي الألماني بات فاقداً للقوة والفعالية في الآونة الأخيرة، فنظراً لأهمية الرهان وطابعه الاستعجالي، توصل الزعيمان إلى اتفاق جديد يحظى بقبول الأطراف، فيما عدا بلدان أوروبا الشرقية التي لم تبدِ رغبة بالانخراط في البناء الأوروبي.
أما في ما يتعلق بموضوع «البريكست»، فإن الفريق الجديد لن يغير موقف المفوضية من هذا الملف، ويمكن القول إن موقف رئيس الوزراء البريطاني الجديد سيكون مهماً وحاسماً. والأرجح أن الفريق الجديد سيعين بارنييه مكلفاً بملف البريكست، ومن المرجح ألا يشهد موقف الاتحاد الأوروبي أي تغيير.
وبالمقابل، يمكن القول إن التغير مرجح على جانب المملكة المتحدة، ذلك أن بوريس جونسون تعهد بتنفيذ البريكست في الحادي والثلاثين من أكتوبر المقبل سواء باتفاق أو بدونه. وهو شيء جيد على كل حال، لأن البريكست بات يستنزف الطاقات الأوروبية، فالقمم الأوروبية المختلفة التي عُقدت خلال السنوات الأخيرة كانت مخصصة له وليس للمواضيع الأساسية، مثل حماية المناخ أو مكانة أوروبا في العالم، وخاصة مع اليورو. وعلى كل حال، سنرى ما سيفعله جونسون، لكن إذا تحقق البريكست أخيراً، فإن ذلك سينهي فترة من الضبابية وعدم اليقين، باتت تنهك الطاقات الأوروبية.

*مؤسس ومدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية - باريس