عندما يعبّر الأميركيون عن قلقهم إزاء التطرف الديني والعنف، فهم يفكرون دائماً في الإسلام. ومع ذلك، فإن المشاكل التي يشكلها تسييس الدين وتسليحه تكون أكثر عمقاً وانتشاراً وخطورة.
قبل عدة سنوات، قمت بإدارة حلقة نقاش حول «استخدام الدين لتبرير العنف». وركز المشاركون في الحلقة، التي ضمت مسؤولي حكومة سابقين ومحللين إعلاميين بارزين، ملاحظاتهم حصرياً على الإسلام.
وعندما جاء دوري لطرح أسئلة للمتحدثين، حاولت توسيع نطاق المحادثة، وطرح أسئلة ذات مغزى عن: ولع الرئيس - آنذاك - جورج دبليو بوش الشديد بقول إنه في تنفيذ الحرب ضد العراق كان ينفذ «إرادة الله،» أوالتهديد المتزايد «للميليشيات المسيحية» البيضاء التي تعمل في مناطق نائية من الولايات المتحدة، أو اعتقاد الحركة الإنجيلية المسيحية بأن غزو إسرائيل للأراضي الفلسطينية واضطهاد الفلسطينيين كان مبرراً بنبوءة توراتية. وتعامَل المشاركون في الندوة مع أسئلتي على أنها مجرد إلهاء عن مناقشتهم عن الإسلام والمسلمين.
وللعلم، فإنني أحمل درجة الدكتوراه في الأديان المقارنة، وأمضيت وقتاً طويلاً في دراسة كل من الأديان الإبراهيمية والديانات في الهند. وفي ظل هذه الخلفية، أشعر بالارتياح وأنا أؤكد أن كل الأديان الرئيسية في العالم لديها جماعات وأفراد استخدموا الدين - وما زالوا يستخدمونه اليوم - لتبرير السلوك العنيف والأهداف السياسية المتطرفة. وفي بعض البلدان، تكون التيارات المتطرفة والعنيفة، بدلاً من كونها على الهامش، تصبح ضمن التيار الرئيسي.
وفي سريلانكا، هناك ميليشيات بوذية تشكو من أن المسلمين يحتلون «أراضي بوذية». وبالطبع، لم تكن المسيحية محصنة من هذه التيارات المتطرفة. ولا يحتاج المرء إلى العودة إلى الحروب الصليبية أو حتى الطريقة التي استخدمت بها اللغة الدينية المسيحية لحشد الدعم للحربين العالميتين، وغيرهما من الحروب منذ ذلك الوقت.
وفي هذا الشهر فقط، كانت واشنطن المضيف لمنظمة «المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل»، والتي لا يمكن وصفها إلا بأنها جماعة دينية متشددة، تقول إن دعمها لإسرائيل ضروري لتنفيذ ما يقولون إنه «خطة الله» – التي تتضمن، من بين أمور أخرى، جمع اليهود وتحويلهم في نهاية الأمر إلى المسيحية مما يؤدي- حسب اعتقادهم- إلى نشوب معركة «هرمجدون» وعودة المسيح. ويجب أيضاً الاعتراف بأن المتحدثين في هذا الحدث، ومن بينهم وزير الخارجية ونائب الرئيس، يتشاركون في هذه الأيديولوجية المتشددة، ويتحدثون صراحة عن تنفيذ «خطة الله».
وهناك أيضاً مشكلة القومية اليهودية المتطرفة التي تتضمن عدداً من الأحزاب الإسرائيلية المؤثرة وأتباعها من الزعماء السياسيين والدينيين. وقد نُقِل عن عدد من الحاخامات البارزين قولهم إنه لأن «الأمميين (من غير اليهود) ليسوا من البشر»، فإن وصية «لا تقتلوهم» لا تنطبق على إزهاق أرواحهم!
لذلك، فإن مشكلة استخدام الدين لتبرير أجندة سياسية متطرفة موجودة في جميع أنحاء العالم، وهي تشبه تسليح الدين –أي استخدام الدين للمصادقة على العنف ضد الآخرين. وهذا واضح بشكل كافٍ في حالة الميليشيات البوذية، أو التحريض ضد المسلمين، أو أعمال العنف التي يرتكبها «تنظيم القاعدة» ضد الأبرياء، أو حتى تلك التي يرتكبها المستوطنون اليهود الذين قاموا بتعذيب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
لذا، فمن الأهمية بمكان أن نفهم ونفضح ونكافح مشكلة تسييس وتسليح الدين –أي إساءة استخدام الدين.
أولاً، يجب أن نعتبرها مشكلة عالمية تصيب جميع المجتمعات، ولا يوجد دين محصن منها. ويجب أن نفهم أن سبب حدوثها ليس خطأ دين بعينه. ولا يوجد مبررات في أي من الديانات، التي تطورت بمرور الوقت، لذبح الأبرياء أو انتهاك حقوقهم أو تجريدهم من ممتلكاتهم.
ولذلك، فإن هؤلاء الذين يقتبسون قولاً من هنا أو هناك للتحقق من صحة أيديولوجيتهم السياسية أو تبرير سلوكهم، لا يمارسون عقيدتهم بقدر ما يستخدمون اللغة والنص المقدس لعقيدتهم لإثبات صحة سياساتهم. والسبب في نجاح ذلك هو أن اللغة الدينية مفعمة بالحيوية ولديها قوة. وأن تقول «إنني أقتلك لأنني أريد أرضك» ليس كأن تقول «هذه أرض بوذية»، كما تقول بعض الميليشيات البوذية في جنوب شرق آسيا، أو تقول «هذه الأرض التي وعدها الله لنا»، كما يقول المستوطنون اليهود الذين ينهبون الأراضي الفلسطينية.
وخلاصة القول إن العقيدة أمر أساسي لفهم الدين. وبحكم التعريف، تختلف العقيدة عن اليقين. فهي تنطوي على إيمان بما هو غير معروف. وهذا يختلف اختلافاً جذرياً عن الأيديولوجية السياسية المؤكدة دائماً. وعندما تستخدم اللغة الدينية للمصادقة على صحة أيديولوجيات سياسية، يصبح المزيج شراباً مميتاً، بسبب سوء استخدام الدين.
وسؤال «لماذا وكيف يحدث هذا» له إجابتان. أولاً، يجب إلقاء اللوم على الجماعات والقادة الذين يستغلون قوة اللغة الدينية لتعزيز أجندتهم السياسية. ثم هناك حاجة إلى تحديد الأسباب الرئيسية التي تدفع البعض للانضمام إلى هذه الجماعات واتباع قادتها. وهناك نتائج معظمها يشير إلى فقدان السيطرة الذي يتعرض له الأفراد في أغلب الأحيان، نتيجة للتوترات السياسية والاقتصادية الشديدة والتفكك الاجتماعي.
*مؤسس ومدير المعهد العربي- الأميركي في واشنطن