على بعد نحو 10 أميال من موقع عسكري أميركي في جنوب سوريا، يعيش حوالي 30.000 مدني في أزمة – مع عدم وجود طعام أو ماء أو دواء تقريباً – ولأسباب معقدة، ترفض الحكومة الأميركية إطعامهم. هؤلاء الأبرياء يعيشون تحت حماية الولايات المتحدة، خوفاً من الميليشيات الإيرانية وتنظيم «داعش». لكن الحكومة الأميركية، التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن مصيرهم بسبب سيطرتها على هذه المنطقة، تقف وتراقبهم وهم يتضورون جوعاً حتى الموت.
كان هناك في الأصل نحو 50.000 شخص في مخيم «الركبان» للمشردين داخل البلاد، يعيشون هناك منذ أربعة أعوام بعد الفرار من منازلهم في محافظة حمص، والتي تحول معظمها إلى ركام. واختار هؤلاء إقامة معسكر بالقرب من قاعدة عسكرية أميركية تسمى «التنف». كانت الولايات المتحدة لديها بضع مئات من القوات هناك، والتي تقوم بتدريب قوات شريكة لمحاربة «داعش»، وتسيطر على موقع مهم استراتيجياً على الطريق بين طهران ودمشق، بالقرب من حدود سوريا مع العراق والأردن.

الوضع داخل المخيم مريع. لم يعد المقيمون يجدون طعاماً أو أدوية بشكل يومي والمرض منتشر. والناس هناك لا عمل لهم ولا دخل. وكانت آخر قافلة مساعدات قد جاءت في شهر فبراير، كما أن المخيم محاصر من جميع الجهات. وما يبقيه فقط على قيد الحياة أنه يقع داخل دائرة نصف قطرها 55 كم من المنطقة الأمنية في منطقة «التنف» الواقعة جنوب شرق سوريا.
يريد السكان أن يتم إطعامهم أو نقلهم إلى مكان يجدون فيه طعاماً. وسيكونون سعداء إذا ذهبوا شمالاً، إلى منطقة تسيطر عليها جماعات من العرب السُنة أو الأكراد، ولكن لا توجد طرق مفتوحة خارج المخيم. وأكثر المعرضين للخطر هم كبار السن والأطفال. وفي مقاطع فيديو أخرى، يشيد سكان مخيم «الركبان» بالجنود الأميركيين في قاعدة «التنف» لتمكنهم من إبعاد نظام الأسد و«داعش» والقوات الإيرانية. لكنهم أيضاً يتوسلون من أجل الطعام والمساعدات الإنسانية الأساسية.
وخلال «منتدى آسبن للأمن»، الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي في كولورادو، سألت «جيمس جيفري»، الممثل الخاص للولايات المتحدة لسوريا، لماذا لا تطعم الولايات المتحدة سكان «الركبان»، وهو أمر تستطيع القيام به بسهولة. فرد قائلاً: «أولاً، إذا أطعمناهم، سيبدو الأمر وكأننا سنبقى هناك إلى الأبد، وقد تكون هناك خيارات أخرى لهم، على سبيل المثال في الشمال الشرقي أو الشمال الغربي من البلاد». كان جيفري يتفاوض مع روسيا بشأن تقديم مساعدات إنسانية للمخيم. واعترف بأن تلك المحادثات قد توقفت الآن، وأن قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة (التي تطلب تصريح نظام الأسد) قد توقفت نتيجة لذلك.
صحيح، كما قال جيفري، أنه إذا بدأت الولايات المتحدة في إطعام سكان مخيم «الركبان»، فمن المؤكد أن تقول موسكو إننا نشكل احتلالاً دائماً (في نظر روسيا) وغير شرعي لجزء من سوريا. ومن الممكن أن يكون لهذا تداعيات دبلوماسية وقانونية. لكن هذه النقطة تبدو تافهة بالمقارنة بترك هؤلاء الناس يتضورون جوعا حتى الموت.
«ثانياً، لا يمكننا الالتزام بوجود طويل الأجل في التنف أو في أي مكان آخر في سوريا»، بحسب ما أوضح جيفري، مشيراً إلى حقيقة أن الرئيس ترامب يمكن أن يسحب القوات الأميركية في أي وقت. وعلى أي حال، فقد أعلن ترامب على «تويتر» عن سحب القوات من سوريا دون التشاور مع مسؤوليه. لكن المنطق في حجب الطعام عن أشخاص يتضورون جوعاً الآن، وهو أننا ربما لا نستطيع إطعامهم فيما بعد، لا يمكن استيعابه من قبل هؤلاء الناس ولا الأميركيين الذين يدعمونهم. التزام الولايات المتحدة تجاه الأشخاص المقيمين في مخيم «الركبان» ليس إنسانياً بحتاً. فالقوات الشريكة المحلية التي تقاتل «داعش» في المنطقة يتم تجنيدها من المخيم. ويجب أن يجد الجنود طعاماً، لكن أسرهم وأصدقاءهم يُتركون وهم يتضورون جوعاً. وبعد ذلك، تشير الحكومة الروسية إلى هذه الوفيات، وتنشر دعاية تزعم أن الولايات المتحدة تجوّع المدنيين عمداً لتحويلهم إلى إرهابيين.
*كاتب أميركي متخصص في السياسة الخارجية والأمن القومي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»