كشفت وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي عن مدى الروح الخرافية المتأصلة لدى جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية، كما كشفت أنه لم يكن رئيساً لأهل مصر، بل لجماعته فقط. ومن يقرأ أدبيات هذه الجماعة المتطرفة سيدرك «الروح الخرافية» المتأصلة في فكرها وخطابها، رغم أن هناك مَن تخيّل لوقت طويل أن «الإخوان» يقدّمون وجهاً تقدمياً للإسلام السياسي مقارنة بالإسلام السلفي، وأنهم الإسلاميون الذين يلبسون البدلة وربطة العنق ولا يحرِّمون الموسيقى ويشاهدون الأفلام السينمائية، فيما يبقى السلفي شعث اللحية، يحيا ويموت ولم يسمع لحناً موسيقياً ولم يشاهد فيلماً سينمائياً في حياته.
ولو مررتَ على مذكرات زينب الغزالي، إحدى رموز الجماعة، وهي مذكرات ليست بالكبيرة (114 صفحة)، فستجد ما يستفز عقل كل قارئ يقرأ بعين ناقدة، لكنه قد يمر بسهولة على ضعاف العقول ممن يقرؤون بقلوبهم فيُستلبون لدعوى المظلومية ويُسرقون ليُرمى بهم في تراجيديا سردية تستدر التعاطف وتُلقي بالقارئ في أتون معركة، لا علاقة له بها، على السلطة والحُكم. في تلك المذكرات ستجد تضخماً للذات لدرجة أن الكاتبة تزعم بأن جمال عبدالناصر كان يكرهها شخصياً ويتابع أخبارها يومياً وهي في السجن، وكأنه كان متفرّغاً لها في تلك الحقبة العصيبة من تاريخ مصر! ثم اتضح فيما بعد أن «يوسف ندا» هو كاتب تلك المذكرات وليست زينب الغزالي. ويوسف ندا مصري يحمل الجنسية الإيطالية، وهو المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة «الإخوان» الإرهابية وهو تاجرهم الذي يجمع الأموال.
هذه الخرافات والأكاذيب المصنوعة كانت تمرّ على عقول الناس في تلك الفترة بسبب العاطفة الدينية الحارة وبسبب الثقة المطلقة بكل مَن تظاهر بالتدين. اليوم نستطيع أن نرى بوضوح أنها كانت وما تزال حرباً سياسية على السلطة، ولو أنَّ حسن البنّا وسيد قطب وجماعتهما عاشوا في عصر عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، لكانوا هم الخوارج الذين يتذرعون بالدين ليصلوا إلى السلطة، فـ«الإخوان» القدامى، كالمعاصرين، كانوا ساسة يسعون لانتزاع حكم مصر من عبد الناصر، وهو بدوره رجل حُكم سعى للمحافظة على سلطانه الذي تعب في تشييده، وما كان ليسلمه لهم بسهولة.
ومازال الخطاب الخرافي وأكاذيبه قائمة إلى حد الساعة في خطاب «الإخوان»، فبعد وفاة مرسي تجمعوا في إسطنبول وقامت قناة «الجزيرة» القطرية بتغطية الحدث، ليقولوا للعالم حرفياً إن «موت مرسي هو مصيبة أمة محمد»! وأنا هنا لا أعبر عما قالوه بأسلوب مجازي، بل أنقل ما شاهدته وسمعته، حرفياً.
كل مَن له عقل لاحظ منذ زمن بعيد أنه على الرغم من أن جماعة «الإخوان» الإرهابية بكل أطيافها لا يمكن أن تكون إلا نقطة في مقابل الشعب المصري الذي ناهز 99 مليون نسمة، فإنهم أرادوا احتكار حق الحديث باسم الإسلام، وكل من سعى لحل جماعتهم من الرؤساء المصريين السابقين هو في نظرهم، كافر بالضرورة! لذلك يتكرر في أدبياتهم كثيراً، أن عبدالناصر كان «يحارب» الإسلام متمثلاً في «الإخوان»! هذه إحدى الخرافات الكبرى التي تعيش عليها جماعة «الإخوان» الإرهابية وأتباعها، وهي في نظري أخطر من قصص الكرامات التي تحدث لرموز الحركات الباطنية ولا يراها أحد، عندما يتخيلون أن كل خصومهم مجموعة من الكفرة! وهنا مخلب يجب خلعه تدريجياً بكثير من الصبر والتمهّل.

*كاتب سعودي