عقدان من الزمن شهدت المملكة المغربية خلالهما توالي الازدهارات والتطورات و«القفزات الاستثنائية» في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هي العشرون عاماً نفسها التي مرت على تسلم جلالة الملك محمد السادس دفة العرش وعلى بيعته الرسمية، حاملاً شعلة البناء والطموح والإخلاص على خطى أجداده الشرفاء المنعمين والتي منذ أول أيامها لا يزال مستمراً بالعطاء وتحقيق رفيع الإنجازات، على رحاب الأراضي المغربية الشامخة التي توجت بإرادة جلالته، وجهود رجالها عظيم المكاسب التي يُفتَخَرُ بها، إضافة لغيرها من الخطوات الدبلوماسية الذكية، المرسخة لدور المغرب الدولي والإقليمي، وعلى وحدة الأراضي الوطنية وسيادته عليها.
ما قدمه جلالته كان له بالغ الأثر على النهضة والازدهار للمملكة المغربية، لتضم تحقيق التطورات في المجال الحقوقي وعصرنة المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي مدونة الأسرة عامةً وإنصافه لقضية المرأة خاصةً، وسعيه المتواصل في مجال التنمية المستدامة ومحاربة كل ما قد يعيق جهود الشباب الأفريقي سواء أكان فقراً أو تهميشاً اقتصادياً، وحري بالذكر في هذا السياق ما قدمه جلالته من الاستثمارات المنجزة على الأراضي الأفريقية التي زار منها 35 بلداً، ووقع ما يقدر بـ 1000 شراكة مع بلدان أفريقية، داعماً ومؤكداً ضرورة اعتزاز أفريقيا وثقتها بمقدراتها وطاقاتها المكنونة.
وعلى صعيد امتداد بصيرته الطموحة للمشاركة في دعم مشروع السلم العالمي، أثبت حضوره بمشاركة جلالته المشروع العالمي لمحاربة التطرف والتحالف الإسلامي ضد الإرهاب، وإيلاء تدبير الشأن الديني انطلاقاً من: «عقد الأشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد السالك»، كعامل انسجام وصمام أمان للبلاد والعباد مع الاهتمام بالهيكلة المكونة له والعناية بها، بمقتضى ما يحق للمؤسسة الملكية من صلاحيات دينية مهمة، بموجب الفصل 41، الذي يركز على الصفة الدينية لعاهل البلاد - أمير المؤمنين- الضامن لممارسة الشعائر الدينية.
كما حرص كل الحرص على تقوية الروابط الإنسانية بين أتباع الأديان كافةً، مشكلاً منها فسيفساء حضارية إنسانية باهية، تزخر باحتضان المغرب مختلف الأديان والأعراق، والعمل من أجل تقوية الروابط الإنسانية بين كل بني البشر وجعلها الأساس الأول والأخير في العلاقة بينهم، وقد ظهر ذلك جلياً بخاصة بعد آخر استضافة للبابا فرنسيس التي تعيد الذاكرة لعلاقة الوئام والمحبة المتجذرة على مر عقود، وزيارة البابا يوحنا بولس الثاني لجلالة الملك الحسن الثاني – رحمه الله-.
امتدت يد جلالته الخضراء لملف الصحراء، وهذا ما دفعه إلى الانفتاح أكثر ليحظى بالدعم والمساندة الدبلوماسية من مختلف الجهات، عبر الدفع بالشراكة الاستراتيجية، واحتضان المغرب للقمة العالمية للمناخ، فضلاً عن تنظيم المؤتمر الثاني العالمي لحقوق الإنسان، وسعيه الدؤوب لتوطيد العلاقات مع دول عدة، منها أميركا وكندا وروسيا والهند والصين وأوروبا، وتعزيز أواصر العلاقات العربية والخليجية، وبخاصة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، في ظل طبيعة علاقات الأخوة والصداقة العميقة والمتجذرة منذ أمد بعيد، جامعة بين البلدين، وشاهدةً على الدفعة الحقيقية القوية، المثالية والاستثنائية.
وبالفعل، أسس الملك محمد السادس «صاحب نظرية التطوير والإصلاح»- منذ توليه الحكم في 30 يوليو 1999، من خلال مؤسسة «إمارة المؤمنين» الضامنة لاستقرار البلاد خلال الظرفية الصعبة التي يمر بها العالم- أرضية خصبة تسمح بنجاح المملكة المغربية بسواعد شبابها الفطن الحالي والمستقبلي، في مواجهة كافة العوائق والتحديات من خلال منظومة فكرية أكثر رصانة ووعياً في مستلزماتها، والقدرة على حلها على أرض الواقع. هذه المؤسسة التي استمدت شرعيتها من الشرعية التاريخية كعماد أول امتد لقرون للعائلة الملكية، والشرعية الدينية التي من خلالها يسوس جلالته ما يكفل حقوق المؤمنين، ويصون حمى الدين والوطن، ذلك لجانب الشرعية الإصلاحية، الدافعة بالنهوض بحقوق الإنسان.
وبحق لقد أثبت صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تفوقه في تجسيد تطلعات الشعب، وتلبية طموحاته واحترام قدرته على التنمية، والثقة بكفاءته على البناء والحفاظ على الوحدة الترابية والوطنية، وتمتين الأواصر بين كافة المغاربة، لتغدو المملكة المغربية اليوم «منطقة عمل»، أشبه بـ«خلية نحل» نشيطة منتعشة متجددة ومشيدة للمشاريع الإصلاحية في المجالات كافة. ومعلية من قيمة المواطن وعاملة على النهوض به فكرياً وأخلاقياً وتربوياً وتعليمياً، لتنمية موارده الطبيعية ومؤهلاته الاقتصادية وكفاءته البشرية.
* أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة