لم تتحمل أي دولة من التكاليف بدعمها للقضية الفلسطينية، كما تحملت المملكة العربية السعودية سياسياً منذ أن قامت على يد المغفور له الملك عبدالعزيز حتى يومنا هذا، وذلك إيماناً منها بالبعد العربي والإسلامي للقضية، ووفاءً بعهد قطعه ملوكها على أنفسهم واحداً بعد الآخر بجعل القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى. فكان تبني القضية في جميع المراحل، بدءاً بالملك عبدالعزيز الذي جعلها قضية العرب الأولى، ومروراً بالملك فيصل الذي أطلق عام 1965 تصريحاً تاريخياً جاء فيه: «إننا نعتبر قضية فلسطين قضيتنا وقضية العرب الأولى، وإن فلسطين بالنسبة لنا أغلى من البترول كسلاح في المعركة إذا دعت الضرورة لذلك، وإن الشعب الفلسطيني لابد أن يعود إلى وطنه حتى ولو كلفنا ذلك أرواحنا جميعاً». ثم تلا ذلك إعلان حظر نفطي لدفع الدول الغربية إلى إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة. وظلت سياسة المملكة ثابتة منذ حرب يونيو 1967 حتى حرب أكتوبر 1973 تجاه مسألة الاستخدام الإيجابي للنفط في تنفيذ التزاماتها حتى اندلعت الحرب في العام نفسه، حينها وضع الملك فيصل الجيش السعودي على أهبة الاستعداد لمواجهة ظروف المعركة. ولن ننسى المحاربين السعوديين من الشهداء في الصفوف الفلسطينية والذين دفعوا أرواحهم في مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب فلسطين عام 1948، ومشاركة نحو ثلاثة آلاف مقاتل من مختلف الرتب العسكرية موزعة على كتيبتين في كل منها ألف وخمسمائة مقاتل لنصرة فلسطين، وصولاً إلى الملك سلمان، حفظه الله، الذي لم يتحدث يوماً عن أي قضية إلا بعد استحضار قضيته الأولى وشغله الشاغل، أي فلسطين، كما كرر مراراً أنه يجب ألا تشغلنا الأحداث مهما بلغت من الجسامة عن تأكيدنا للعالم على مركزية القضية الفلسطينية، والسعي لإيجاد حل لها على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. هذا فيما يخص الدعم السياسي أما الدعم المادي فيحتاج مجلدات لسرده.
وبما أن المملكة العربية السعودية تخوض معاركها في التفوق وحروب التغيير والإعداد لقمة العشرين وشحذ الهمم لجني نجاحات رؤيتها 2030 المستقبلية -كما ذكر الإعلامي الكبير عثمان العمير- فإنها تواجه بالمقابل حرباً شعواء من نوع آخر، حرباً من بعض الأخوة الفلسطينيين الذين تبنوا الهجوم على المملكة بشكل فج ومستهجن يثير التعجب ويطرح الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام. فالمملكة تواجه من جانبهم سلوكيات ولغة غاية في العداء غير المبرر، والذي أراه يتفوق على العداء التاريخي لإسرائيل التي احتلت أرضهم، وجرفت بيوتهم وأشجارهم وقتلت العجزة والنساء والأطفال من مجتمعهم!
في أسبوع واحد فقط وقعت حادثتان تم افتعالهما في فلسطين ضد المملكة، الأولى حين أُستقبل شخص مجهول -لا نعرف هويته حتى اليوم- تم تقديمه بصفة ولباس سعوديين وتحت ضيافة مسؤولين إسرائيليين، فوجهت حملة شرسة ضد المملكة إثر ذلك، وهوجمت بأقسى الألفاظ وأحَدِّ العبارات، وكأن ذلك المجهول يمثل المملكة أو قدم بصفتها الرسمية! والعجيب أنه عندما أبدينا استنكارنا في مواقع التواصل لهذه البذاءات في الشارع الفلسطيني، قالوا: هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم! وهل مثّل ذلك المجهول إلا نفسه؟ ولماذا لم تنطبق على شخص واحد تلك العبارة وانطبقت على شارع هاجم المملكة بأكمله؟!
أما الحادثة الأخرى، فصورها فيديو لعرس في فلسطين أدى فيه أحد المطربين فن «الحداية» الفلسطينية، موجهاً الشتائم للسعودية والإمارات والبحرين، مع تصفيق وتهليل وزغاريد من الحضور. والسؤال يتكرر عكسياً: إذا كان هذا المطرب يمثل نفسه فقط فمن يمثل أولئك الحضور؟ أتساءل دائماً: ماذا لو قبلت إحدى دول الخليج الثلاث التطبيع مع إسرائيل؟ وهل سيكون تعاطي الإخوة الفلسطينيين مع هذه الخطوة مختلفاً عن تعاطيهم مع التطبيع القطري والتركي؟ وهل سيكون بذات قبول التطبيع الشعبي الفلسطيني الذي يدعم الخزينة الإسرائيلية بنحو 650 ألف شيكل شهرياً، عبر تبضع الفلسطينيين من متاجرها وأسواقها؟ وهل سيكون بذات التفهم لانضمام بعض شباب وشابات فلسطين لصفوف الجيش الإسرائيلي؟
سؤال أخير: لماذا أصحبت القضية الفلسطينية أداة للطعن في خاصرة من ناصرها؟ ولماذا أصبحت مجالاً للمزايدات والمتاجرة بها من بعض أبناء الشعب الفلسطيني نفسه؟!

*كاتبة سعودية