لدى الهند علاقات ثقافية وحضارية وثيقة مع دول الخليج العربية، ولديها كذلك علاقات مع إيران. وهذه العلاقات تعززت بعد استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني عام 1947. والهنود شاركوا بالملايين في كثير من التقدم والتنمية الذي حققته هذه البلاد وفي المقابل قدمت هذه الدول مساعدة لا تتزعزع ودعماً قوياً لمتطلبات الهند من الطاقة وأيضاً في تعزيز اقتصادها. وعلاقات الهند بإيران حالياً تتعرض لاختبار في الوقت الذي تشن فيه إيران هجوماً ضد جيرانها وأيضاً ضد الغرب.
وكانت إيران قد توصلت منذ أربع سنوات فحسب إلى صفقة مع ست قوى دولية وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، قيدت أنشطة إيران النووية في مقابل تخفيف العقوبات. لكن هذه العقوبات أعيد فرضها بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الصفقة العام الماضي. وكان ترامب يسعى إلى صفقة تحل محلها لكبح برنامج إيران للصواريخ الباليستية وتورطها في عدد من الدول العربية عبر وكلائها.
وتصاعدت التوترات مع صراع إيران مع عدد من دول الخليج العربية ومع الغرب في صور مختلفة. وفي وقت مبكر من شهر يوليو الماضي، دمرت البحرية الأميركية طائرة إيرانية مسيرة بعد أن اقتربت من سفينة أميركية بحرية لكن إيران نفت إسقاط أي من طائراتها المسيرة. وفي حادثة أخرى الشهر الماضي، أشارت إليها وسائل إعلام غربية، أخفقت قوارب إيرانية مسلحة في محاولة منع عبور ناقلة نفط بريطانية في الخليج العربي. وفي يونيو الماضي، تصاعدت التوترات لتصل إلى مأزق عسكري بعد أن أسقطت إيران طائرة أميركية مسيرة على مضيق هرمز وهو أحد أهم طرق الشحن الحيوية في العالم.
وقبل هذا، تعرضت أربع سفن لتدمير بمتفجرات في المياه الإقليمية للإمارات قبالة ميناء الفجيرة. والآن، تفاقمت الأزمة بعد استيلاء إيران على ناقلة بريطانية العلم في مضيق هرمز. وأوضحت إيران أنها راغبة في الإفراج عن الناقلة في مقابل الإفراج عن ناقلة إيرانية احتجزت في جبل طارق في يوليو كانت تحاول نقل نفط إلى سوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
وكل هذه التطورات أثرت أيضاً على الهند. والتأثير المباشر كان باعتقال بحارة هنود كانوا على متن ناقلة النفط التي صادرتها إيران. ورغم أن إيران أفرجت عن تسعة من طاقم السفينة الهندي المؤلف من 12 عضواً كانوا على متن ناقلة نفط ترفع علم بنما وسمحت أيضاً بإمكانية دخول قنصلية لطاقم هندي آخر مؤلف من 18 عضواً من ناقلة النفط بريطانية العلم، إلا أن محاولات إيران استعراض قوتها في الخليج العربي بدأت تسبب قلقاً في نيودلهي. والهند واصلت علاقاتها التجارية مع إيران بقدر المستطاع في غمرة العقوبات الأميركية. واستوردت 10% من نفطها من إيران لكن مستوردي النفط في الآونة الأخيرة وجدوا صعوبة بالغة في إجراء العمل. وبالتالي لم يعد هناك خيار سوى قطع كل صادرات النفط من طهران.
ولا شك تقريباً في أن الهند يتعين عليها أن ترد بما يوافق مصالحها الاستراتيجية والأمنية على خلفية محاولات طهران اليائسة لاستعراض قوتها في الخليج العربي وفي العداء مع الولايات المتحدة. وتباطأت حركة العمل في مشروع ميناء «جابهار» المهم استراتيجياً بين الهند وإيران الذي جرى العمل فيه لسنوات. والهند تطور مرسيين في أول مرحلة من الميناء مما يعطي الهند إمكانية الدخول إلى أفغانستان ويقدم في الوقت نفسه مقابلاً لميناء جوادر الباكستاني الذي تبنيه الصين. وتراجع المشروع بسبب عدم قدرة الشركات المساهمة في المشروع في الحصول على العتاد بسبب العقوبات رغم أن الولايات المتحدة قدمت للهند استثناء في «جابهار» لأنه يقدم طريقاً بديلاً لأفغانستان ذات الأولوية المحورية للولايات المتحدة.
ولكن يتعين على إيران أن تتمهل وتمعن النظر في سبل نزع فتيل الموقف بدلاً من مفاقمته بأعمال عنف سواء المباشرة أو غير المباشرة من خلال ميليشياتها بالوكالة في المنطقة، كما تؤثر ليس فقط على سلامة الملاحة الدولية بل أيضاً على أمن إمدادات العالم من النفط. والاستيلاء على السفن الغربية في أهم معبر مائي في العالم لتجارة النفط من شأنه أن يؤثر على كل الدول ذات الصلة. وتفاقم هذه الأزمة لن يزعزع استقرار المنطقة فحسب بل أيضاً استقرار مناطق أخرى من العالم مما يشيع الفوضى في إمدادات النفط.
ولا شك في أن تخريب السفن التجارية أو المدنية بالقرب من ميناء هرمز الذي يمر عبره 15 مليون برميل من النفط يومياً من شأنه أن يؤثر على أسواق الطاقة بالإضافة إلى ما يمثله من خطر على الاقتصاد العالمي. وإذا كانت المملكة المتحدة قد احتجزت سفينة إيران بسبب انتهاك عقوبات الاتحاد الأوروبي، فقد كان بوسع طهران مفاتحة الاتحاد الأوروبي لشرح موقفها واسترضاء الاتحاد الأوروبي بدلاً من الاستيلاء على سفينة بريطانية في الخليج العربي ودفع المنطقة إلى حافة صراع مسلح كان من الممكن تجنبه مع القوى الغربية.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي