كيف‎ يمكن للمرء قراءة جولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى عدد من الدول الآسيوية، كانت الصين بدايتها، وتالياً إندونيسيا وماليزيا. وما هي التبعات والاستحقاقات المترتبة على مثل هذه الزيارة؟
‎ يلزمنا الإشارة بداية إلى أن المجتمعات الآسيوية تتشارك في الكثير من القيم الأدبية والأخلاقية مع العالم العربي في طبعته البدوية الأصيلة، حيث التعاضد والتواد، والاهتمام بالجدار الإنساني المجتمعي، ذاك الذي تعرض لحالة من الاهتراء في الجانب الغربي من العالم، حيث التركيبة الأحادية أثبتت فشلها في إنقاذ الإنسان.
يمكن‎ القطع بأن أهم مزايا الحصاد التي أفزرتها الجولة هي التأكيد على مسألة ضبط المسافات بين أبوظبي وبقية عوالم وعواصم العالم، وهذا أمر حيوي بالنسبة للعلاقات الدولية المتغيرة بوتيرة سريعة في العقود الأخيرة، فقد باتت آسيا هي قلب العالم الجديد، ومركزه، سيما وأننا نرى أن القارة نفسها تكاد تكون الوحيدة بين قارات الأرض الأكثر استقراراً ونمواً، حال تمت المقارنة مع القارات التاريخية، فأوروبا تكاد تكون روحها منقسمة في داخلها، ناهيك عن القلاقل التي تنتابها من جراء صعود الحركات القومية المتطرفة، ونمو التوجهات اليمينية الشوفينية، تلك التي أدت بأوروبا في النصف الأول من القرن العشرين إلى حرب عالمية أهلكت الزرع والضرع.
‎ أما أميركا الشمالية، فالحال فيها يغني عن السؤال، فيما أميركا اللاتينية لا تزال تغط في صراعات الأنظمة السياسية، وأفريقيا تعاني من الاضطرابات الاقتصادية والحياتية، وعليه تبقى التجربة الآسيوية هي الرائدة في هذه الآونة، ومن هنا يمكن الجزم بأن قلب العالم قولاً وفعلاً أضحى هناك في آسيا.
الجولة تضمنت منطقة لها قاعدة أخلاقية تؤمن بأن الوجود الإنساني كل لا يتجزأ، وأن الاختلاف جزء من الظاهرة الأنطولوجية، وعليه فإنه يمكن تغيير نقاط التمركز، داخل هذا الوجود، ومن غير أن يضحى الأمر مدعاة للتناحر، بل دعوة للعيش معاً، وللانتصار على الصعاب ومحاولة بلورة مستقبل بشري متجانس، وهذا على الخلاف بالمرة من فكر أرسطو الذي يقوم عليه العالم الغربي، حيث الظاهرة وتضادها لا بد لهما من التصارع والتنازع، إلى أن يسود الأقوى في نهاية الأمر.
‎ أثبتت التجربة الإماراتية نجاحات فائقة طوال العقود الأخيرة، وتأتي قضية تمتين وتوثيق علاقاتها مع الجانب الآسيوي من العالم لتزيد صقل خبراتها الدبلوماسية العالمية، وتوطد من تعاونها مع جانب مستقر ومستمر ومزدهر سياسياً واقتصادياً الأمر الذي لابد له من أن ينعكس برداً وسلاماً على النسيج الإماراتي، وفي المقدمة منه الصعود الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
مرة‎ أخرى، فإننا إذ نتابع جولة الشيخ محمد بن زايد إلى الدول الآسيوية نلمح فكراً خلاقاً، ذاك الذي دعا سموه لأن يضع الصين تحديداً أمام المشهد الراهن في منطقة تهمها بالدرجة الأولى، أي منطقة الخليج العربي تلك التي يعوزها الاستقرار من جراء التهديدات الإيرانية في الآونة الأخيرة، وتعريض الملاحة إلى الخطر، ونحن نعلم أن الصين تكاد تعتمد بشكل كلي على نفط منطقة الخليج، كما أنها باتت لاعباً دولياً مهماً على الساحة السياسية العالمية، ولها ثقلها في مجلس الأمن الدولي، ومدعوة لأن تلعب دوراً أكبر فاعلاً ومؤثراً في مجريات الأحداث.
ضمن‎ الحصاد الجيد والطيب من الجولة، هناك لمسات ولمحات تكاد تكون غير ظاهرة على الملأ، وهي أنها كشفت لنا ما ينتاب المجتمع البشري من تغيرات أيديولوجية، لا سيما في ضوء المقاربات المعقود مؤخراً بين الرأسمالية والاشتراكية، ولا نقول بين الرأسمالية والشيوعية، فالأخيرة أثبتت فشلها الذريع حين سحقت ومحقت الإنسان دفعة واحدة عبر سبعة عقود من تاريخ الإنسانية.
لقطة‎ أخرى أفرزتها الجولة الموفقة سيما إلى الصين من خلال ما يمكن أن نطلق عليه التثاقف المشترك بين البلدين وفتح الأبواب لتعلم اللغة الصينية من قبل الأجيال الإماراتية الجديدة.
الحديث‎ يطول والخلاصة أن الجولة إضافة خلاقة لنجاحات إماراتية صاعدة في أعلى عليين أمس واليوم وإلى ما شاء الله.
*كاتب مصري