في يوم 24 يوليو 2019 حضر روبرت مولر، المستشار الخاص الذي عينته وزارة العدل للتحقيق في المساعي الروسية للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، جلساتٍ علنية أمام اللجنة القضائية ولجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، ليجيب على أسئلة بشأن تحقيقه. وانصب الاهتمام على نتائج تقريره الذي بلغ أكثر من 400 صفحة ونشر في مارس عام 2019. وكانت جلسات الاستماع محبطة للذين كانوا يأملون في الاستمتاع بمشاهدة تلفزيونية مشوقة. فقد كان مولر متحفظاً في الكلام، وأحياناً كانت مصطلحاته وعباراته من الصعب فهمها، ولم يكن متمكناً تماماً من المادة في تقريره. لكن من منظور الحقائق بشأن ضلوع ترامب في التعاون مع الروس لمساعدته على الفوز بالانتخابات وجهوده التالية لعرقلة العدالة أثناء تقدم تحقيق مولر، فربما تشير إجابات مولر ونتائج تقريره إلى تورط الرئيس في مشكلة قانونية عميقة.
وتفيد إحدى النتائج الأساسية للتقرير أن ترامب لو لم يكن الرئيس لربما وُجه إليه الاتهام بعرقلة العدالة. وربما لا يزال من الممكن أن يوجه إليه هذا الاتهام إذا خسر انتخابات عام 2020 وأصبح مواطناً عادياً في نهاية يناير 2021. وجلسات الاستماع والأزمات الأخرى التي يواجهها ترامب بشأن سوء الإدارة للحدود الجنوبية والتعامل مع لاجئي أميركا الجنوبية الذين يطلبون حق اللجوء في الولايات المتحدة، دفعت الرئيس الأميركي لاتهام منتقديه بالنفاق ولاتباع أساليب تفريقية صريحة في حملته. ويعلم ترامب أنه ما لم تشارك القاعدة المؤيدة له من البيض من الطبقة العاملة في انتخابات 2020 فسيخسر الانتخابات، لأن شعبيته وسط الأميركيين تحوم حول 45% في المتوسط، أي أن عدد الأميركيين الذين يروقهم ترامب أقل من أولئك الذين لا يروقهم. والمشكلة أن ترامب قد اتضح له، وعن صواب، أن أفضل طريقة لتحفيز قاعدته الانتخابية المؤيدة له هي العودة إلى الاستراتيجيات القديمة الخاصة بمهاجمة وإهانة الناخبين الأميركيين الملونين وخاصة الأميركيين الأفارقة والهسبانك.
وعلى سبيل المثال، كتب ترامب في ساعات مبكرة من يوم 27 يوليو، بعض التغريدات الموجهة ضد عضو الكونجرس ايليا كامنجز النائب الديمقراطي المنحدر من مدينة بالتيمور. وهذا بعد أن تزايد انتقاد كامنجز في الآونة الأخيرة بشكل استثنائي للظروف الحالية على الحدود المكسيكية الأميركية، وخاصة معاملة طالبي اللجوء. كما هاجم كامنجز لتمثيله مدينةً وصفها ترامب بأنها «مكان خطير وقذر، تسوده الفوضى وتزداد فيه الجرذان والقوارض، حيث لا أحد يرغب في العيش هناك». وتضمن الصخب الذي أثارته هذه التعليقات إشارات إلى أن جاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب ومستشاره، يمتلك عقارات سيئة الصيانة في بالتيمور. وأشار مؤيدو كامنجز إلى دأب ترامب على استخدام كلمات مثل «موبوءة» حين يصف ديار وبلدان الملونين.
والتاريخ يذكرنا بأن المرة الأخيرة التي استُخدمت فيها هذه الانتقادات السامة في عدائها للناخبين الملونين من مرشحين رئاسيين، كانت في عام 1968 حين خاض جورج والاس، حاكم ولاية ألاباما، حملة انتخابية رئاسية كمرشح مستقل ضد المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون والديمقراطي هيبرت هامفري. وشن والاس حملة صريحة في تأييدها للفصل بين البيض والملونين، واعداً الناخبين بإبقاء سياسات العزل كما هي في الولايات الجنوبية، أملاً في كسب ما يكفي من أصوات الناخبين، حتى لا يحصل أي من المرشحين على الأغلبية الكافية لفوزه بالرئاسة ويتحول بالتالي، وفق الدستور الأميركي في هذه الحالة، حق اختيار الرئيس إلى مجلس النواب. وأخفق والاس بسبب قدرة نيكسون على استغلال حرب فيتنام التي كانت تحظى بنفور شعبي كبير كقضية أكثر استفزازاً من القضية العرقية في ذاك الوقت، ولذا استطاع سحب عدد كبير من الأصوات من المرشح الديمقراطي هامفري ليفوز بالرئاسة ويضيع الفرصة على والاس.
ومن السابق لأوانه أن نتكهن بما إذا كانت سياسات ترامب ستحافظ على قاعدة مؤيديه كما هي، دون فقدان الناخبين المهمين الأكثر اعتدالاً وخاصة طائفة من النساء اللائي صوتن له في انتخابات 2016. لكن الواضح أن ترامب لا يعتزم حوض حملة تحتوي جميع الأميركيين ويراد بها لم شمل البلاد المنقسمة بشدة، بل يريد استغلال انقسامات المجتمع لتخدم مصلحته في الحملة الانتخابية. وهذا هو السبب الذي يجعل عدداً كبيراً من الأميركيين يجادلون بأن نتيجة الانتخابات ستكون لها عواقب كبيرة على البلاد والعالم. وهذا أيضاً هو السبب الذي يجعل هذه الانتخابات واحدة من أكثر الانتخابات شقاقاً في التاريخ الأميركي.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» -واشنطن