عدت لتوي من ديترويت، ميشيجان، حيث حضرت المجموعة الثانية من المناظرات الرئاسية الأولية للحزب «الديمقراطي» لأسباب عديدة، كانت المناظرات تجربة محبطة. بدايةً، كان هناك العديد من المرشحين. ثانياً، هناك الطريقة التي تدار بها هذه المناظرات، حيث كانت تهدف أكثر للترفيه وللحصول على معدلات مشاهدة عالية في التليفزيون، أكثر منها مناقشة جادة من أجل التوضيح.
في عام 1984، كنت في نيو هامبشاير مع القس «جيسي جاكسون» لحضور إحدى المناظرات الأولية للحزب «الديمقراطي» في تلك السنة. كانت مناقشة عميقة التفكير أدارها مضيفٌ محترف. وفي مرحلة ما، رغم ذلك، أتذكر النظر إلى المرشحين الثمانية على المنصة والتفكير مع نفسي «جيسي يهيمن على تلك المناظرة. أما الرجال الآخرون، هل سنتذكر بالكاد أنهم كانوا في هذا السباق؟».
وبعد ثلاث سنوات، قمت بسؤال بعض الأفراد كم عدد المرشحين الذين يمكنهم تذكرهم في 1984. وبعد تذكر جاكسون، جاء السيناتور جاري هارت وبعده والتر مونديل، المرشح التاريخي -أكثر العالقين بالذهن. أما الآخرون، على الرغم من إنجازاتهم، ذهبوا طي النسيان.
ولم أستطع فهم لماذا ترشح معظمهم في عام 1984. لقد كانوا لطفاء وأذكياء، وكل منهم حقق درجة من النجاح -لكنهم لم يتمكنوا من لفت الأنظار كأشخاص يمكن تذكرهم. وبالرغم من أنني افترض أنهم كانوا يرون أنفسهم كشخصيات مكتملة بأوهام الظهور في المكتب البيضاوي، فإنهم كانوا شخصيات باهتة مملة، تفتقر إلى الأفكار الجريئة أو الشخصية المقنعة التي يمكنها تمييز نفسها عن مجموعة من السياسيين الآخرين. لماذا اعتقدوا أن بإمكانهم الصعود والفوز بالرئاسة، هذا أمر كان محيراً في ذلك الوقت ولا يزال حتى اليوم.
أقول هذا لأنني مررت بنفس التجربة هذا الأسبوع في ديترويت. كان 20 شخصاً من 25 مشاركاً يلبون المعايير التي تم وضعها للمشاركة في المناظرات. وكما كان الحال في 1984، كان هناك أفراد يتمتعون ببعض التميز. كان هناك سبعة من أعضاء مجلس الشيوخ، وسبعة آخرين من أعضاء الكونجرس أو الحكام السابقين أو الحاليين، وثلاثة رؤساء بلدية، ونائب رئيس سابق، ووزير سابق. ومع ذلك، بينما كنت أشاهدهم وهم يتناقشون، عادت إليّ أسئلة عام 1984، «لماذا يفعلون ذلك؟» و«هل سيتذكر أحد بعد ثلاث سنوات أنهم كانوا ترشحوا للرئاسة؟
وبينما كنت أشاهد المقابلات تتكشف، أصبح من الواضح تماماً أن العديد من المرشحين يفتقدون ببساطة إلى المكانة اللازمة للتنافس. فلماذا، إذن، كانوا هناك؟ وكيف يفتقرون إلى هذا الحد إلى إدراك الذات لدرجة تعريض أنفسهم للإحراج بعد التفوق عليهم على المسرح؟
نظراً لوجود عدد كبير من المرشحين، ضمت كل من ليلتي المناظرات عشرة مرشحين على المنصة. واستمرت المناظرة لمدة ساعتين ونصف. وكان من المزعج بشكل خاص طريقة إدارة هذه المناظرات -وبدت كأنها مصممة لمشاهدي التليفزيون ولتعزيز التقييمات (وإيرادات الإعلانات التي سبقتها) أكثر منها محاولة جادة لمساعدة الناخبين على اتخاذ قرار لتحديد الأفضل لقيادة الأمة خلال السنوات الأربع القادمة.
قبل بضعة أسابيع، حصلنا على لمحة عن كيفية قيام الشبكة الراعية بإدارة المناظرات عندما أمضت ساعة في إجراء قرعة لتحديد المرشحين العشرة الذين سيظهرون في كل ليلة. كان الأمر غريباً، حيث تم كل عرض كل قرعة مباشرة، في نفس الوقت، على ثلاث كاميرات من زوايا مختلفة. وسبق إجراء القرعة موسيقا تشبه قرع الطبول، تلاها تعليق حول «ما الذي تعنيه هذه القرعة». كان الجو أشبه بعرض مباراة تليفزيونية.
واستمر هذا في الأيام التي سبقت «ليلة المناظرة» - مع تعليقات لا نهاية لها من نقاد، تشبه التحليلات الرياضية، كما لو كنا نستعد لمباراة ملاكمة محترفة. «هل سيظهر عضوا مجلس الشيوخ وارين وساندرز الواحد تلو الآخر؟»، و«هل نائب الرئيس بايدن مستعد للدفاع عن نفسه ضد هجوم آخر من السيناتورة هاريس؟».
وكانت ليلة المناظرة على نفس المنوال، حيث سبقها عرض لمدة ساعة ونصف لإثارة الاستعداد للأحاديث -«هل أنتم مستعدون، أيها الديمقراطيون؟» - وصعد رجل على المنصة ليقول «أنتم جمهور رائع المظهر، حقاً!»، متبوعاً بتعليمات عن متى يجب أن يصفق الجمهور ومتى لا يصفق. وبعد ذلك دارت المناظرة. كان هناك وقت (مثلما حدث في 1984)، عندما كانت المناظرات تدار من قبل المرشحين. أما الآن، فإن شخصيات تليفزيونية هي التي تدير المناظرة، وليس المرشحون، مع تحيزاتهم الواضحة ونيتهم في إدارة المناقشة من أجل تقديم عرض جيد.
كان واضحاً، منذ البداية ،أن مهمة أحد المضيفين هي كشف الزيف عن التشريع الذي قدمه ساندرز ووارين بعنوان «الرعاية الطبية للجميع». فقد سأل مراراً وتكراراً وارين ما إذا كان بإمكانها جمع الضرائب لتمويل الاقتراح، ثم انتقل ليحث بعض المرشحين الأقل شهرة لتحدي وارين وساندرز.
وأصبحت المناقشات التي أعقبت ذلك سريعة الغضب، وأنتجت بعض السطور التي لا تنسى في هذه الأمسية. فقد هاجمت وارين المضيف قائلة «هذه نقاط حديث جمهورية»، وسألت أحد المنافسين لماذا يترشح كديمقراطي إذا كان لا يمكنه دعم «الأفكار الكبيرة» التي ساعدت الناس. وتساءل ساندرز لماذا نقدم مليارات الدولارات للأثرياء من الأميركيين في صورة تخفيضات ضريبية، دون أي اعتراض، ثم نحتج على إنفاق المزيد لضمان توفير الرعاية الصحية باعتبارها حقاً وليس ميزة. وخرج ساندرز ووارين من المناظرة سالمين، وكانا هما الشخصيات المهيمنة. أما الليلة الثانية من المناظرات فقد كانت مختلفة. فقد استمر المضيفون في استخدام أجندة ساندرز ووارين التقدمية كوسائل للإحباط. أما بقية الليلة فقد اتسمت بالفوضى. بعد ليلتين أنفقنا فيهما الملايين (وحصلنا على الملايين من إيرادات الإعلانات)، ما حصلنا عليه هو عدد قليل من الخطوط التي لا تنسى، والقليل من الانطباعات الدائمة، وعدد قليل من المرشحين الذين نجوا من الهجوم. ليست هذه هي الطريقة التي ينبغي أن تكون. يجب أن يكون قادرين على انتخاب الشخص الذي سيقودنا (ويقود معظم العالم) في المستقبل استناداً إلى سياسته وقدرته على التنظيم بفعالية، وليس استناداً إلى فن الظهور.
*رئيس المعهد العربي الأميركي بواشنطن