تشهد المنطقة العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، متغيرات جديدة ومتسارعة لم نعد نفهمها أو نجد إجابة عقلانية منطقية على كثير منها، ففي الوقت الذي تطمئن فيه الولايات المتحدة حلفاءها في الخليج وأوروبا بأنها ستحمي الممرات المائية الدولية، وعلى رأسها مضيق هرمز، من محاولات إيران الرامية إلى إعاقة الملاحة البحرية وحركة التجارة الدولية، نجد الإدارة الأميركية تفتح قنوات اتصال مع طهران بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن أحدث المؤشرات على ذلك الخبر، الذي نشرته صحيفة «الجريدة» الكويتية، في عددها ليوم الاثنين الـ29 من يوليو المنصرم، حول زيارة سيناتور أميركي مقرب من الرئيس دونالد ترامب إلى طهران، الأسبوع الماضي، حيث قدَّم مقترحاً بإجراء مفاوضات مباشرة بين الجانبين خلف أبواب مغلقة، فيما يعد التفافاً من جانب واشنطن على حلفائها الأوروبيين بصفة خاصة.
تتواصل حالة الترقب جرّاء التصعيد اللفظي المتبادل بين طهران وواشنطن حتى الآن، حيث حاول الرئيس الأميركي جرّ إيران إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة، في محاولة لإرغامها على تقديم تنازلات تتعلق بتدخلاتها في المنطقة وبخططها التسليحية، وعلى الخصوص فيما يتعلق بالتسلح النووي والصواريخ البالستية بعيدة المدى. وفي إطار ذلك المسعى، قامت الولايات المتحدة بفرض عقوباتها الاقتصادية والنفطية على طهران أملاً في إخضاعها، لكن طهران قامت بتحريك أنصارها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفي نفس الوقت لم تغلق باب التفاوض والتحرك الدبلوماسي، واليوم ازداد حجم الحشود الغربية العسكرية في المنطقة، حيث أعلنت الولايات المتحدة عن إرسال قوات إضافية، فيما أعلن وزير الخارجية البريطاني الجديد، دومنيك راب، أن لندن لا تقبل الموافقة على فكرة مبادلة ناقلة نفط تحمل العلم البريطاني احتجزها الحرس الثوري الإيراني مؤخراً، بالسفينة الإيرانية التي احتجزتها بريطانيا في منطقة جبل طارق قبل أسابيع من الآن، وأوضح الوزير بأن احتجاز السفينة البريطانية (امبيرو) غير قانوني، لذلك فإن بلاده ترفض كلياً مبدأ المقايضة، لا سيما أن الأمر متعلق بالقانون الدولي، مشدداً على ضرورة الالتزام بالمنظومة القانونية الدولية.
ولعل التساؤل الذي ينبغي أن نطرحه في منطقة الخليج العربي، وفي العالم العربي عموماً، هو: ما هي الاستراتيجية العربية أو التصورات العربية والخليجية حول كيفية التصدي لكل هذه التوترات والمخاطر التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها؟
لقد وثقنا بالإدارة الأميركية الحالية، وتصورنا أنها تفكر جدياً في مصالحها ومصالح حلفائها في الخليج معاً، لكن يتضح للمراقب السياسي، من تسلسل الأحداث والتطورات والمواقف، أن المنطقة مقبلة على حالة من اللاسلم واللاحرب، وبأن الجانبين -الأميركي والإيراني- ليسا في طريقهما لأي مصالحة في الوقت الحالي، لكنهما أيضاً ليسا معنيين بالمواجهة العسكرية المباشرة، لذلك علينا أن نفكر بجدية في مصالحنا بعيداً عن الحسابات الخاصة بأي طرف.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت