يُعد الاهتمام باللغة العربية قضية استراتيجية تمس الأمن الثقافي والحضاري للأمة، لذلك تركز الكثير من الدول العربية على إثارة هذا الموضوع من خلال الهيئات والمبادرات والمؤتمرات. فقد تم إنشاء «هيئة أبوظبي للغة العربية»، وأطلق مشروع «تحدي القراءة العربي»، وعقدت الكثير من الجلسات عن أهمية اللغة العربية وكان من بينها «التغيير ومستقبل اللغة العربية» الذي عقد في المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي هذا العام. إلا أن النقاش في هذه الجلسات يدور دائماً حول هيمنة اللغات الأجنبية على اللغة العربية، لكن في الواقع لا توجد هذه الظاهرة بشكل كبير بقدر انتشار استخدام اللهجات العامية.
لقد ذكر تقرير وسائل التواصل الاجتماعي للدول العربية لعام 2017 أن استخدام اللغة العربية قد زاد بشكل كبير في المنطقة عن عام 2015 حتى بين دول شمال أفريقيا وخاصة بين الشباب. وقد أَوْرَدَ التقرير 72% من إجمالي التغريدات في المنطقة الآن باللغة العربية، ولكن معظمها بالعامية.
تفشي العامية أضعف مستخدمي اللغة العربية حيث يجد الطالب أن الفصحى لا تستخدم إلا في دروس مقررات اللغة العربية وبالتالي ما «يبنيه معلم اللغة العربية في ساعة يهدمه زملاؤه معلمو المواد الأخرى في ساعات». أيضاً غاب دور الأسرة والمجتمع في تعليم الفصحى فالمحادثة بين الأهل والأصدقاء كلها بالعامية إلى أن أصبح التحدث بالفصحى أمر غريب وغير اعتيادي لدرجة من يتحدث بها يواجه أحياناً بالسخرية من أبناء جلدته.
التحدي الآخر عند الحديث عن أهمية اللغة العربية في المناهج التعليمية التركيز يكون على التعريب وليس ابتكار مناهج علمية تكون مصدرها الدول العربية. فالطالب عندما يدرس المواد العلمية في المناهج تكون المصطلحات بلغات أجنبية، ولا يمكن استيعابها إلا بلغاتها الأصلية وحتى لو تم تعريب هذه المناهج فسيواجه الطالب صعوبة في التعليم إذا قرر التطور في هذا المجال أو إكمال الدراسات العليا في الخارج.
فلغات الأمم تنتشر عندما تكون هي مصدر العلم، وهذا سبب انتشار اللغة الإنجليزية، والآن بدأت الكثير من الدول العربية إدراج اللغة الصينية في المناهج الدراسية لأنها أصبحت عنصراً أساسياً في المساقات العلمية. فاللغة العربية الفصحى انتشرت في الماضي حتى صارت لغة العالم الأول حينما كانت لغة العلوم والمعارف والطب والفلك والحساب والجبر واللوغارتمات وغيرها من العلوم، لكن منذ أصيب العرب بالشلل الدماغي تدهور حال لغتهم. وحتى حافز الناطقين بغير العربية لتعلم اللغة العربية الآن اختلف عما كان عليه سابقا. فقد كان في الماضي الدافع هو التعليم أما حاليا الدافع أصبح يثير الشك لأنه غالبا يكون لفهم ثقافة ونفسية المجتمع العربي للتغلغل الاقتصادي والسياسي. كذلك ساعد الإعلام العربي بازدياد استخدام العامية، فإذا استعرضنا برامج التلفزة أو الإذاعة غالبيتها ترفيهية غير هادفة، ونسبة ما تبثه بالعامية تزيد عن ما تبثه بالفصحى التي لا تسمع إلا نادراً وغالباً ما تكون في نشرات الأخبار.
وانتشار العامية بهذا الشكل يثبت لنا أن اللغة العربية أصبحت مجرد لغة تخاطب وتواصل، وليست لغة علم واختراعات. فالفصحى محصورة في تدريس اللغة العربية ولا نسمعها إلا في المؤتمرات الرسمية ونشرات الأخبار. فكون المجتمعات العربية أغلبها استهلاكية فهذا مكمن هيمنة اللغات الأجنبية على اللغة العربية الفصحى. لذلك على اللغة العربية أن تكون مواكبة للتطور العلمي والمعرفي في عصر العولمة والمعلومات لتصبح أداة تحديث وليس فقط لغة دين وتراث وهذا يحتاج إلى عمل عربي مشترك على مستوى المراكز البحثية والجامعات والهيئات الخاصة.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي