بعد مضي نحو تسع سنوات، من المتابعة والانتظار، يستعجل صندوق النقد الدولي المغرب لـ«تعويم» سعر صرف الدرهم على أساس «أن السلطات المغربية باتت مقتنعة بأن شروط نظام الصرف، أصبحت مكتملة»، ودعاها في تقرير أصدره في مايو الماضي بعد زيارة بعثته للرباط في إطار المراجعة السنوية للخط الوقائي الائتماني والمادة الرابعة من نظامه الأساسي، إلى «استغلال الظروف المؤاتية للمضي قدما نحو نظام أكثر مرونة». ولكن على رغم تأكيد هذه السلطات التزامها بمواصلة الانتقال نحو «تعويم» الدرهم فهي ستنتظر اللحظة المناسبة للتحرك، في سياق استراتيجية جيدة التنظيم، بهدف توعية وتحسين مختلف الفاعلين الاقتصاديين، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالمخاطر المرتقبة، وتعزيز قدرتهم على إدارتها. وقد تم الاتفاق بين الصندوق والحكومة المغربية على «أن تخفيف القيود المتبقية على تدفقات رأس المال إلى الخارج، يجب أن يتم بشكل تدريجي وفي مرحلة لاحقة فقط، لتقليل المخاطر المرتبطة بالانتقال إلى نظام سعر الصرف المرن».
في عام 2010، بدأت الرباط، التحضير لإصلاح نظام الصرف بدعم من الصندوق الذي زودها بخطوط ائتمان وقروض ضد المخاطر بقيمة 17 مليار دولار، وقد جرت محاولات عدة، وحددت مواعيد متتالية، لبدء تنفيذ قرار«التعويم»، ولكن تم تأجليها، لأسباب سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية، وشهدت الأسواق مضاربات وهروبا من العملة الوطنية، وتكبد المضاربون خسائر كبيرة، اذ كانوا يراهنون على ارتفاع سعري اليورو والدولار وهما العملتان اللتان تستند إليهما العملة المغربية، الأولى بنسبة 60 في المئة، والثانية 40 في المئة، وجاءت خسارتهم مع استمرار تدخل البنك المركزي الذي استخدم احتياطه، استجابة لتلبية الطلب. وفي 14 يناير 2018، دخل المغرب مرحلة جديدة، وبدأ التحول إلى مرونة تسمح للدرهم أن يتحرك بنسبة 5 في المئة فقط (2,5 في المئة صعودا وهبوطا)، على أمل أن يتم التوسع تدريجا، للوصول إلى «التعويم» الكامل، لتقوية مناعة الاقتصاد الوطني إزاء الصدمات الخارجية.
وعلى رغم نجاح هذه المرحلة التي كانت «بيضاء»، حيث تم استيعابها «سيكولوجيا»، وبقي الدرهم ثابتا أمام الدولار واليورو، لم يحدد محافظ «المركزي» عبداللطيف الجواهري تاريخ إطلاق المرحلة الثانية، مكتفيا بالإشارة إلى أن القرار «سيتخذ في الوقت المناسب وبالطريقة الملائمة»، مع العلم أن بعض الخبراء يتوقع أن يتطلب الوصول إلى نظام «عائم» مدة طويلة قد تتجاوز 15 سنة، في وقت يستعجل فيه صندوق النقد الخطوات التنفيذية.
وبما أن المغرب يعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي لنمو الناتج المحلي، فقد تراجع النمو الاقتصادي من 4.1% عام 2017 إلى 3.1% العام الماضي، وإلى 2.7%العام الحالي، متأثرا بهبوط نمو القطاع الزراعي، بانخفاض هطول الأمطار، ما أدى إلى تراجع إنتاج الحبوب، ويؤمل أن يعاود النمو صعودا إلى 3.9% العام المقبل.
المغرب يسعى إلى تطوير تنافسية تجارته الخارجية نحو أسواق أفريفيا والشرق الأوسط ودول أوروبا، وجذب مزيد من الاستثمارات والتدفقات المالية، الأمر الذي يتطلب توفير احتياطي نقدي يغطي فاتورة مستورداته لأكثر من سبعة اشهر.