كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 29 يوليو الماضي على حسابه في تويتر: «تذكروا فقط، أن إيران لم تربح الحرب قط، لكنها لم تخسر مفاوضات». فرغم استمرار حرب التصريحات بين واشنطن وطهران منذ مايو الماضي، ورغم أن وزارة الخزانة الأميركية أعلنت عن فرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، فإنه لطالما أعلن طرفا الأزمة عن رغبتهما في فتح أبواب للتفاوض لكن بدون شروط مسبقة. فالرئيس الأميركي ووزير خارجيته صرحا مراراً بأنهما منفتحان للمفاوضات، وبأنهما يرغبان في التوصل إلى اتفاق أفضل بكثير من «خطة العمل الشاملة المشتركة» المعروفة باسم الاتفاق النووي، وبأنهما على استعداد للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإيرانيين في أي وقت. ومن جانبه أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في 24 يوليو الماضي، أن طهران ما تزال مستعدة للتفاوض حول برنامجها النووي مع الولايات المتحدة، وإن أكد أن ذلك لا يعني الاستسلام للضغوط الأميركية.
فهل يمكن الحديث إذن عن تشكل مسار تفاوضي بين طهران وواشنطن؟ وهل يمهد التراجع عن حافة الهاوية التي خلقتها الأزمات المتتالية بين الجانبين، الطريقَ لعملية حوار إقليمية ودولية قد تفضي إلى مفاوضات أميركية إيرانية جديدة؟
تحاول طهران، من خلال الاستفزازات المستمرة في الخليج، رفع مستوى التهديد، كجزء من استراتيجيتها للتفاوض مع واشنطن، إذ كثيراً ما أكد المسؤولون الإيرانيون أن بلادهم لا تريد الحرب، رغم سعيها الواضح لتوسيع الأزمة بينها وبين الولايات المتحدة من خلال زيادة التوتر في الخليج، وما بدا على أنه بداية انطلاق حرب ثانية للناقلات في الخليج العربي، لاسيما مع توسع دائرة الأزمة بدخول أطراف إقليمية ودولية، خاصةً من الدول المستوردة للنفط والغاز والدول التي تعود لها ملكية الناقلات وكذلك الدول التي ينتمي إليها بحارة هذه الناقلات. ومن خلال توسيع نطاق الأزمة تبحث طهران عن مخرج من أوضاعها الآخذة في التفاقم داخلياً، وبالتالي فرض خيار الحوار والتفاوض كسبيل وحيد لتقليص نطاق الأزمة.
وتمارس طهران سياسة حافة الهاوية وصولا لطاولة المفاوضات، كما تسعى لاحتواء أزمتها مع واشنطن عبر التودد لأطراف إقليمية ودولية لبناء وساطات فاعلة. وهكذا فهي تعتمد على مقاربة مزدوجة لإنهاء الأزمة مع واشنطن؛ باعتماد القوة والدبلوماسية في وقت واحد، للالتفاف على العقوبات الأميركية والتخفيف من تداعياتها الاقتصادية، وبذلك تحاول إيران دفع المجتمع الدولي لإيجاد حلول تخرجها من مسار المواجهة مع واشنطن إلى مسار دبلوماسي تفاوضي. وقد ظهرت بالفعل محاولات من أطراف دولية وإقليمية للوساطة، في سعي للتهدئة أولا ثم لإيجاد نقاط مشتركة للجلوس على طاولة المفاوضات ثانياً.
لقد سعت قوى إقليمية لاحتواء الأزمة بالدخول على خط الوساطة، فظهرت مساعي يابانية وفرنسية وعراقية وكذلك روسية.
ورغم ذلك تظل قنوات الاتصال السرية بين واشنطن وطهران إحدى الركائز الأساسية للعلاقات بين الجانبين في أوقات الصراع. واليوم، ورغم التصعيد المتبادل، فإن كل الإشارات الصادرة من طهران وواشنطن تفيد بأن الأزمة بينهما في طريقها للتهدئة والتبريد عبر القنوات الدبلوماسية.