أعلنت إيران قبل أيام أنها ستستأنف العمل في مفاعل «آراك» النووي للماء الثقيل، والذي يمكن استخدامه في المفاعلات لإنتاج البلوتونيوم وهو وقود يستخدم في صناعة الرؤوس الحربية النووية، وبذلك تستمر طهران في سياسة استفزاز الدول المجاورة بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام على الرغم من إقدامها قبل أسابيع على خطوة توصف بالرغبة الإيرانية القوية في تجنب المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية في ظل تصاعد التوتر السياسي والعسكري بين الجانبين مؤخراً. فقد صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن «بلاده اقترحت إبرام اتفاقية عدم اعتداء مع الدول الخليجية المجاورة، وهذا الأمر مطروح على الطاولة» مؤكداً عدم رغبة بلاده في أي تصعيد عسكري، وأنها على استعداد لتلقي أي مبادرة تساعد على خفض التصعيد وتكوين علاقات بناءة مع جميع دول الجوار. وقد أعطى ذلك التصريح الانطباع بأن إيران ستتبع «سياسة عقلانية» تجاه جيرانها مما سينعكس حتما على علاقاتها بالمجتمع الدولي، ولكن الأحداث الأخيرة تؤكد أن طهران ما زالت على النهج العدائي في سياساتها الخارجية.
وقد استطاعت إيران خلال العقود الماضية، سواء أثناء حكم الأسرة البهلوية أو حالياً في ظل نظام الملالي، تكوين شبكة من المواقع النووية تتوزع بين أربعة أفرع رئيسية هي: مراكز البحث، ومواقع التخصيب، والمفاعلات النووية، ومناجم اليورانيوم.
وحسب التقارير الدولية تضم شبكة المواقع النووية الإيرانية مفاعل «نطنز» لتخصيب اليورانيوم، ومفاعل «بو شهر» للماء الخفيف، ويمكن أن ينتج مادة البلوتونيوم المنضب الذي يستخدم لأغراض نووية، وموقع «أصفهان» لتنقية اليورانيوم من الشوائب من أجل تحويله كيميائياً إلى غاز «هكسا فلورايد اليورانيوم»، ثم تبريده وتنظيفه إلى أن يصير صلباً. كما تضم تلك الشبكة مصنع «أردكان» للوقود النووي، ومفاعل «قم» لتخصيب اليورانيوم، ومفاعل «آراك» لأبحاث الماء الثقيل ويمكن للوقود الناتج منه إنتاج 10 كيلوجرامات من البلوتونيوم سنوياً، وهو ما يكفي لصنع قنبلتين نوويتين على الأقل سنوياً، إضافة إلى منجم «ساغند» لخام اليورانيوم، ومنجم ومصنع «جيهان» لإنتاج 24 طناً من (الكعكة الصفراء) سنوياً. أضف إلى ذلك مفاعل «خوزستان» للانصهار النووي الذي شرعت إيران في إنشائه قبل سنوات قليلة، وموقع «أناراك» لتخزين المخلفات النووية ومحطة «فوردو» لتخصيب اليورانيوم وتقع تحت الأرض جنوب طهران، بالقرب من مدينة قُم، ومركز «بوناب» للأبحاث النووية، ومركز «معلم كاليه» الخاص بتدريب الكوادر النووية الإيرانية، ومركز «كراج» الخاص بالدراسات والأبحاث الزراعية والطبية باستخدام الطاقة النووية، ومفاعل «طهران للأبحاث» الذي بدأ العمل فيه عام 1967، بمساعدة أميركية بقدرة 5 ميجاواط، وبعد الثورة الإيرانية قطعت الولايات المتحدة إمدادات اليورانيوم عن المفاعل، مما أجبر الحكومة الإيرانية على إغلاقه وفي 1988 وقعت إيران اتفاقيات مع هيئة الطاقة الذرية الأرجنتينية لتوفير احتياجات المفاعل من اليورانيوم، وفي عام 1993 استؤنف العمل بالمفاعل بالفعل. كما هناك منشأة «لاشكار آباد» المخصصة لتخصيب اليورانيوم بالليزر، ومفاعل «داركوفين» للمياه الخفيفة ويقع أقصى غرب البلاد بالقرب من الحدود مع العراق والكويت، وأخيراً مفاعل «شيراز» الذي وردت الأنباء بتخطيط الحكومة الإيرانية لإنشائه جنوب غرب البلاد بطاقة 10 ميجاواط.
وتثبت تلك الشبكة من المواقع النووية توفر البنية التحتية النووية في إيران منذ عقود طويلة إضافة إلى أن مخطط امتلاك السلاح النووي الذي ورثه نظام الملالي عن النظام البهلوي هو مخطط راسخ ومٌعقد ومنظم مما يستدعي ضرورة اتباع سياسة شاملة لمواجهته والحد من مخاطره إضافة إلى طرح تساؤل على قدر كبير من الأهمية الاستراتيجية وهو: هل تستطيع إيران التخلي عن شبكة المواقع النووية التي بدأت في إنشائها منذ ستينات القرن الماضي وتستبدلها بسياسة سلمية خالية من التهديدات النووية؟