تواتر الحديث عنه في سبعينيات القرن الماضي، ولم يصدق الكثيرون أن عِلماً كهذا موجود، ويحاضر فيه أساتذة كبار في جامعات منها أميركية، هذا العلم اسمه (الجهل والتجهيل)، يُعنى بتصنيع الجهل وتسويقه بآلية تجعل الآخر جاهلاً، والعلم لا يزال يُدرّس في الجامعات كملحق بمساقات التاريخ النفسي psycho-history، وثمة مؤسسات أميركية عدّة من بينها (راند كوربوريشن)، تهتم بالبحث في موضوع الجهل وتسويقه بأشكال جذّابة، في العالم الثالث أو ما يطلق عليه الدول النامية.
إن مستهلكي سلعة الجهل في أي مجتمع مُستهدف، يتمثلون في فئات: الفقراء، وجلّهم من الأقليات الاجتماعية والدينية، وسكان المناطق النائية في الأرياف، إضافةً إلى بعض معلّمي المدارس وبعض أساتذة الجامعات، ونسبة هذه الفئة في أميركا 80? من السكان. الثانية المتدينون، (الذين يؤمنون بالقدرية، ويستسلمون لها اعتقاداً منهم أنها حتميّة لا يمكن تغييرها)، فبعد إخضاعهم للتجهيل، توكل إليهم مسؤولية تجهيل أكبر عدد من الناس ممن لديهم ميولات دينية متطرفة. والبسطاء، (وبالإنجليزية جاءت: المُغفلون)، ونسبة كبيرة منهم تعمل في القطاع العام في حكومات الدول الفقيرة، ومعروفون بـ(التكنوقراط) ممن يقدمون النصح والمشورة، إذ يجري تدريبهم على تمرير الجهل وتبريره، تحت مسمى (النظرية والعلم والإمكانيات والموارد)، حيث إضافة إلى بث اليأس في نفس متخذ القرار من إمكانية الإصلاح، عليهم ممارسة الكذب على عامة الناس، وترسيخ الأكاذيب في أذهانهم كحقائق يجب الدفاع عنها.
صناعة الجهل إحدى أجندات مؤتمر (هنري كامبل بانيرمان)، الذي انعقد عام 1906 بلندن، والمثال التالي من مدونات عصريّة: (ميريا شالوم) مجنّدة في الجيش الإسرائيلي، ما أن تعود إلى منزلها حتى تخلع زيها العسكري، وتفتح (فيسبوك) لتكتب على صفحتها المزوّرة باسم #أم المؤمنين: هل عمر ابن الخطاب أحق بالخلافة أم علي بن أبي طالب؟! ثم تنتظر التعليقات.. ابتسمت (ميريا) لتوالي الردود: الشيعة يسبون السنة، والسنة يسبون الشيعة، وطرف ثالث يصمُ الاثنين بالتخلّف، ليتحول هذا الجدل العقيم إلى أنهار من الدم في شوارع الوطن العربي، أقفلت ميريا شالوم هاتفها، وتمددت على سريرها لتغط في نوم عميق، مطمئنة إلى مستقبل (دولتها) يحميها بلا ثمن مجموعة من المُغفلين.