ماذا يجري في خليج العرب، هل من يعلم؟ فإذا علم فالمصيبة أكبر. إيران تصادر الممرات البحرية من مضيق هرمز إلى ما بعده، تقرصن سفينة بريطانية تخرب عدة ناقلات للنفط، تقصف مضخات نفط سعودية، تتوعد أوروبا وتصعد نبرتها ضدها، تمارس تهديداً للسفن التجارية، لتهدد نصف المنتوج النفطي للعالم، يستهدف «حوثيوها» السعودية، تنتج الصواريخ الباليستية، تعبث بأمن العراق، وتصادر الدولة في لبنان. أين الدول خصوصاً الأوروبية التي ليست بمنأى عن التخريب الفارسي؟ ماذا يريد تحديداً ترامب الغارق في التناقضات، حيناً يطلب من أصحاب العلاقة في الخليج ومن أوروبا أن تحمي بنفسها مصالحها، وحيناً يطالب بتأليف حلف عالمي لحماية المعابر البحرية.
فوضى مزدوجة، بين العلاقة التي تربط أوروبا تاريخياً بالولايات المتحدة، وبين أوروبا نفسها، ففرنسا وألمانيا وسواهما ترفضان الدخول في تحالف تقوده أميركا، تقول ألمانيا إنها ليست قوة عسكرية بل اقتصادية، وليس عندها عسكر لترسله إلى الخليج، لكن ها هي بريطانيا في عهد بوريس جونسون ترفض المقايضة بين سفينتها المحتجزة والسفينة الإيرانية التي أوقفتها في مضيق جبل طارق، لأنها تنقل نفطاً إلى بشار الأسد، وترسل فرقاطة إلى هناك.
إذا ماذا يجري وسط هذه المفارقات وأشكال العجز والتردد، بل الانعزال بل الخضوع لنزق إيران واستفزازها؟
الكل أميركا وأوروبا على خلاف، فهذه الأخيرة ما زالت تؤيد الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، وتعارض العقوبات القصوى الاقتصادية التي بفرضها ترامب على نظام الملالي، بل وتحذر من احتمال الانزلاق إلى حرب مع إيران في بحر العرب.
الكل لا يريد الحرب، وإيران كذلك رافضة للتفاوض مع ترامب إذا لم يرفع عنها العقوبات، لا حرب، لا مفاوضات، لا سلم ولا مواجهات، هكذا في مثل هذه المواقف التي لا يستفيد منها سوى إيران التي تلعب على التناقضات الأوروبية، وتراهن على أن لا أوروبا ولا أميركا تريدان أي صراع مسلح، فترامب دخل في خضم الحملات الانتخابية وهو لا يريد المغامرة والانخراط في المواجهة، وأوربا كذلك، لكن هذه الأخيرة تتشبث بمصالحها واستثماراتها في إيران بذريعة تأييدها للاتفاق النووي ومعارضتها العقوبات القصوى، حتى بريطانيا جونسن تعاني انقسامات في صفوفها، وترتفع أصوات تعارض انضمامها إلى أي حلف لحماية الممرات، فنائب رئيس الكتلة البرلمانية (التحالف المسيحي)، يوهان ديفيد فاربول، يقول: «إننا نتلقى إشارات تفيد بأن لندن تحت قيادة جونسون تتحرك نحو المشاركة في مهمة أميركية، وهذا ما نرفضه»، أما ألمانيا فتسعى إلى اتباع سياسة النأي بالنفس، «لأن هناك مخاوف من الانزلاق إلى نزاع مسلح بين أميركا وإيران».
على أن هؤلاء، وعلى رأسهم الرئيس ماكرون، باتوا يشكلون جبهة أوروبية تعارض أميركا وتكاد تنحاز إلى إيران، لكن مجموع هذه الدول تتجاوز عن قصد ما تنشره دولة الملالي من تخريب ومن حروب وقصف لجيرانها العرب من اليمن إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان،
بل كأن هؤلاء تناسوا أن النظام الإيراني يوزع خلاياه التخريبية داخل أوروبا نفسها.
إنه تردد بعض أوروبا، والسؤال: أهو قصر نظر؟ نعم! أهو تغليب المصالح المباشرة على ما يهددها؟ أهو تواطؤ سافر مع إيران؟ أهو انعزال مفرط ضمن ما تبقى من أوروبا المشرذمة في ظواهر شعبوية وعنصرية إثنية ودينية، وتخلّ عن القيم التنويرية التي صنعها في القرنين الماضيين؟
سؤال أخير: هل يُصَدّق ماكرون وميركل وحتى بريطانيا بأن إيران يمكن أن توقف برنامجها النووي، حتى ولو أعطتها أميركا والعالم كل شيء؟