عندما احتل صدام حسين الكويت في 2 أغسطس 1990 نسّقت السعودية والولايات المتحدة الأميركية عملية استضافة لأكثر من 60 ألف عسكري أميركي في قاعدة الأمير سلطان الجوية، للمشاركة في مواجهة جيش صدام حسين الذي كان يربو على مليون جندي من المتمرسين على الحرب، بعد ثمان سنين من الحرب العراقية الإيرانية. أيامها، قامت قيامة «الإخوان المسلمين» في مشارق الأرض ومغاربها، في السعودية ومصر والمغرب العربي وجميع البلدان العربية، بل ومن البلدان الأوروبية والولايات المتحدة نفسها، بمعنى أن من يعيش منهم في أميركا وينعم بحماية الجيش الأميركي هناك، لديه تحفظ واعتراض شديدان على مشاركة الجيش الأميركي في حماية الأراضي السعودية، في فترة قررت فيها السعودية والإمارات والبحرين استعادة الكويت، بينما اختار حمد بن خليفة أن يناقش الخلاف على جزيرة «حوار» بين قطر والبحرين بدلاً من التفكير في استعادة الكويت!
أيامها كان الكاسيت «الإخواني» هو المهيمن على الشارع، وكنا نسمع اعتراضات متناقضة مع نفسها، فهناك من يقول إننا قادرون على حماية أنفسنا من دون قوات أجنبية، بحجة أننا أحفاد الصحابة! وفي طرف آخر كان هناك من يدعو لحالة سلبية لا يكون لنا فيها موقف، بحيث لا نتدخل في الخلاف بين العراق والكويت، رغم أن تلك الكاسيتات أصابتنا بالملل من قصة الثور الأبيض والثور الأحمر! وهناك مَن زعم ألا دخل له بالسياسة وقرر أن السعودية لا يحق لها أن تستضيف القوات الأجنبية بدعوى دينية محضة مفادها أنه لا يحل لغير المسلم أن يدخل جزيرة العرب. فقط تخيلوا لو أن قادة المملكة وقادة دول الخليج وافقوا على هذه الدعوى ماذا كان سيحدث! البترول نفسه الذي نقلنا إلى القرن العشرين عندما تم اكتشافه في ثلاثينيات القرن العشرين كان قابعاً تحت أرضنا منذ ملايين السنين ولم يكتشفه أحد حتى جاء هؤلاء واكتشفوه واستخرجوه وصفّوه، ولولا ذلك لكان الحال الآن مختلفاً في هذه الصحراء التي لا تجري فيها الأنهار ولا يُزرع فيها إلا التمر والقمح. ومع هذا، استمر الكاسيت «الإخواني» في إدانة تواجد القوات الأجنبية، أقول «الإخواني» لأن فقهاء الحنابلة في السعودية كانوا يقفون موقفاً مخالفاً يؤيدون موقف دولتهم ولم ينخرطوا في مؤامرة التحريض خلال تلك الفترة شديدة الخطورة، ونجح «الكاسيت» في الوصول إلى كل بيت، فأحدث بعض البلبلة واختلف الناس بين مؤيد ومعارض. والواقع أن جماعة «الإخوان» الإرهابية، ضمن أطراف أخرى، أيّدت علناً احتلال صدام للكويت، بسبب كرهها الشديد للكويت والسعودية وكل دول الخليج، باستثناء قطر طبعاً. لقد كان ذلك الموقف مؤامرة، ومن الناس من انساق وراء الجماعة الإرهابية من دون قصد ولا وعي.
لم تكن لدى السعودية أي رغبة في الاحتفاظ بقاعدة أميركية، وعندما وقعت تفجيرات 11 سبتمبر 2001 رفضت السعودية أن تنطلق الغارات على أفغانستان من أراضيها، وهنا دخل ثعلب الدوحة حمد بن جاسم ورحّب ترحيباً حاراً ببناء قاعدة أميركية في العديد تنطلق منها القوات الأميركية للحرب مع أفغانستان، وخرجت القوات بالكامل من السعودية عام 2003. وما إن تم انتقال القوات الأميركية من حفر الباطن إلى قطر، حتى خرست كل الأصوات التي كانت تحرّم تواجد القوات الأجنبية في جزيرة العرب، وكأن قطر ليست في تلك الجزيرة. لم نسمع أحداً منهم يدين نظام الحمدين أو يُعلن الغضب عليه. لماذا أقص هذه القصة؟ نحن في زمن استيقظ فيه الوعي، وأصبحنا أقرب لرؤية الأشياء كما هي، وكل من يستعيد تلك القصة سيجد أن ذلك الموقف الحاد من وجود القوات الأجنبية لم يكن دينياً، بل كان حيلة سياسية كهذه الحيل التي تمطرنا بها قناة الجزيرة في كل يوم، لذلك لا يحق لأحد أن ينخدع مرتين، إلا من يريد أن يُخدع.