هناك جيلٌ طور التشكّل، يدرس الكثير منه في مدارس خاصة، حيث الاحتكاك المباشر بمعلمين وطلبة من جنسيات مختلفة، ولغته الإنجليزية في مستوى لغته العربية، وبعضهم يجيد القراءة والكتابة بالإنجليزية بمستوى أفضل مما يجيدهما بالعربية، فضلاً عن تواصل أبناء هذا الجيل، وبشكل يومي عبر الوسائل التقنية، بأشخاص وثقافات من مختلف دول العالم.
ويمتاز هذا الجيل بأنه مزدوج الثقافة، العربية من جهة والغربية من جهة أخرى، أو لنقل الثقافة العالمية التي تقوم أساساً على الثقافة الغربية، وإذا كان ازدواج الثقافة حالات في الأجيال السابقة، فالجيل طور التشكّل مزدوج الثقافة، بل هناك فيه من هو أحادي الثقافة، لكنها ثقافة غير الثقافة العربية، التي ينتمي إليها ويعيش في كنفها.
وكيف يرى الإنسان ويفكّر؟ وكيف يحكم ويقيّم؟ وكيف يسلك ويتصرّف؟ وما هو مقبول، وما هو مرفوض؟.. كلها اعتبارات تنبع من الثقافة التي ينتمي إليها في الأصل، أو الثقافة التي انتماء إليها في سياق ما، ونتيجة ظروف معينة.
وهذه الثقافة قد تكون ممارسة، وقد تكون معرفة، فإذا كانت ثقافة ما تقبل فكرة «الإكرامية»، وكان ثمة من يمارسها بكل أريحية، فهنا تكون الثقافة ممارسة. وإذا كانت ثقافة ما ترفض فكرة «الإكرامية»، وكان ثمة من يعرف أن هذه الفكرة مرفوضة في تلك الثقافة، فهنا تكون الثقافة معرفة.
ومعرفة أي ثقافة غنى بطبيعة الحال، فأن يعرف العربي مثلاً كيف يفكر الصيني، وكيف يرى الفرنسي، وكيف يحكم الأميركي، وكيف يقيّم الهندي، وكيف يسلك البرازيلي، وكيف يتصرف الياباني.. يعني أن هذا الإنسان يعرف كيف يدير علاقاته بالآخرين، وكيف يتعاطى معهم، وكيف يعزز من حضوره بينهم.
لكن يختلف الوضع حين تتجلى الثقافة في السلوك، فأن يسلك العربي الذي يعيش في مجتمع عربي كأنه صيني مثلاً، أو فرنسي، أو أميركي، أو غير ذلك، فهذا يعني الصدام مع مجتمعه، وتوتر علاقاته بأفراده، فضلاً عن الوقوع في المحظور القانوني، إذ القوانين في أي بلد مستقاة من ثقافة أهله وقيمه وعاداته.
صحيح أن القدر المشترك بين مختلف الثقافات أكبر بكثير من القدر غير المشترك، فالإنسانية واحدة، لكن بصور متعددة، فثمة أخوّة ثقافية بين البشر، لكن ليست هناك توأمة بين ثقافاتهم، وهو ما يستتبع بالبداهة أن تكون القوانين في العالم متقاربة، لكنها ليست متشابهة.
ونصل بهذا إلى نتيجة مفادها، أن ما هو مقبول في ثقافة، وهو غالباً غير ممنوع قانوناً وغير معيب اجتماعياً، قد يكون مرفوضاً في ثقافة أخرى، وهو غالباً ممنوع قانوناً ومعيبٌ اجتماعياً، ومن هنا ينشأ التوتر الاجتماعي، والإشكال القانوني لمن انتمى إلى ثقافة غير ثقافة مجتمعه، لأن المتوقع منه اجتماعياً هو سلوك أبناء الثقافة التي ينتمي إليها، لا التي انتمى إليها، والمطلوب منه قانونياً أن يلتزم بقيود وأحكام لا يدري بها، لأن معرفته القانونية ناشئة من ثقافة مجتمعٍ غير المجتمع الذي تخاطبه قوانينه. ‏

*كاتب إماراتي