مازال حزب «المؤتمر» الوطني الهندي دون زعامة بعد استقالة راؤول غاندي. والحزب يغوص أكثر فأكثر في مشكلات دون لافتة تشير إلى اقتراب أزمة الزعامة من النهاية. والحزب لم يفقد نفوذه في الحكومة المركزية للبلاد فحسب، بل يكافح أيضاً ليلعب الدور المحوري في أي ديمقراطية كحزب معارضة قوي. وسيطرته على السلطة في عدد من الولايات الهندية الأخرى يفقدها أيضاً فيما يبدو.
فالحزب القديم العظيم فقد نفوذه في ولاية كارناتاكا في جنوب البلاد الشهر الماضي لصالح حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» بعد أن خسر التصويت بالثقة في المجلس التشريعي للولاية. والأزمة نشبت بعد أن انشق 16 مشرعاً غالبيتهم من حزب «المؤتمر»، ورغم أن الحزب دأب على الشكوى واتهام حزب «بهاراتيا جاناتا» بالتدبير للانشقاق، لكن هذا أدى في نهاية المطاف إلى انهيار الحكومة الائتلافية التي يتزعمها حزب «المؤتمر» في واحدة من ولايات الجنوب الرئيسية.
وحزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي يعتبر حزباً هندياً من الولايات الشمالية حاول تعزيز تواجده في جنوب الهند بعد أن جاء إلى السلطة بأغلبية كبيرة في الانتخابات العامة التي عقدت في الآونة الأخيرة. والآن نجح «بهاراتيا جاناتا» في الاستيلاء على السلطة في كارناتاكا ويعمل حالياً أيضاً على تعزيز وجوده في ولايات هندية جنوبية أخرى. والهزيمة في كارناتاكا تعتبر مثالاً لمدى تأثير أزمة الزعامة الحالية على حزب «المؤتمر» من عدة أوجه. وفشلت القيادة المركزية للحزب فشلاً ذريعاً في السيطرة على الموقف ومنع التناحر والفصائلية اللذين أديا إلى فقدان السلطة.
ولا شك تقريباً في أن حزب «المؤتمر» يواجه مشكلات في الداخل، وهذا سيبدأ قريباً في التأثير على حضوره في الولايات الأخرى مثل راجاستان ومادهيا براديش. وبعد خسارة كارناتاكا، لم يعد حزب «المؤتمر» يسيطر إلا على خمس ولايات فقط، بينما يسيطر «بهاراتيا جاناتا» على السلطة في 16 ولاية. وفي ولاية غوا، انشق 10 مشرعين من حزب «المؤتمر» وانضموا إلى حزب «بهاراتيا جاناتا» مما قلص قوة حزب «المؤتمر» في المجلس التشريعي للولاية إلى خمسة أعضاء فقط. وفي ولايات أخرى يواجه حزب «المؤتمر» مشكلات أيضاً.
ففي ولاية أوتار براديش، أكبر ولايات الهند، استقال ما يزيد على 30 زعيماً من حزب «المؤتمر» من مناصبهم. وفي غمرة كل هذا، بدأ عدد من الزعماء من داخل حزب «المؤتمر» يقترحون اسم «بيريانكا» غاندي شقيقة راؤول غاندي كي تكون رئيساً جديداً للحزب. والمشكلة في حزب «المؤتمر» هي أنه يعاني من التناحر والفصائلية منذ استقالة راؤول غاندي من رئاسة الحزب. وحتى كبار زعماء الحزب أقروا بأن أزمة القيادة يتعين حسمها في أقرب وقت حتى يتمكن الحزب من البدء في التعافي ووضع استراتيجيات تمنعه من أن يتحول إلى قوة مستنفدة في السياسة الهندية. والحزب في اضطراب منذ أن خسر الانتخابات العامة لثاني مرة على التوالي. فلم يحصد الحزب إلا 44 من بين 542 مقعداً في الغرفة الدنيا من البرلمان. والهزيمة أدت إلى شقاق وسط زعماء الحزب على المستوى القومي وعلى مستوى الولايات.
واستقال راؤول غاندي من منصب رئيس الحزب الشهر الماضي بعد أن أعلن تحمله المسؤولية الأدبية عن خسارة الحزب. لكن لم يعين الحزب بعد خليفة له في ظل الافتقار إلى اتفاق الآراء بين زعماء الحزب بشأن من يجب أن يتولى القيادة. ولطالما اعتمد الحزب على أسرة نهرو- غاندي التي قادت الحزب إلى عدة انتصارات في السنوات السبعين الماضية وقدمت للهند ثلاثة رؤساء وزراء هم جواهر لال نهرو وأنديرا غاندي وراجيف غاندي. ويبدو أنه دون وجود عضو من أسرة غاندي في القيادة، لا يستطيع زعماء الحزب الاتفاق واتخاذ قرار بشأن مسار المستقبل. ورغم مرور أسابيع على استقالة راؤول غاندي لم يتوفر إلا القليل من التفاهم وسط الزعماء بشأن من يجب أن يتولى قيادة الحزب.
ولا شك تقريباً في أن القرار بشأن قيادة الحزب يقع في يد السيدة سونيا غاندي، أرملة رئيس الوزراء السابق راجيف غاندي الذي قاد الحزب إلى انتصارين متتالين. كما أن ضعف صحتها أجبرها على القيام بدور أقل إرهاقاً، لكنها عادت في الآونة الأخيرة لتحاول الحفاظ على وحدة الحزب حتى بعد أن رفض ابنها راؤول غاندي إعادة النظر في استقالته. ومن الواضح أن الحزب بحاجة إلى العمل سوياً وتوحيد الصفوف. وحزب «بهاراتيا جاناتا» على الجانب الآخر يرسم بحماس خطة لاستعادة السلطة في الولايات الخمس التي يسيطر عليها حزب «المؤتمر». واستطاعت الحكومة المركزية التي يقودها حزب «بهاراتيا جاناتا» أن تقر كل التشريعات التي يريدها الحزب في مجلسي البرلمان. وإذا لم يستيقظ حزب «المؤتمر» من سباته، فقد يفيق وقد طبق الحزب الحاكم قائمة أولويات هندوسية قومية متبعاً إجراءات شعبوية قد تلحق الضرر على المدى الطويل بنسيج البلاد متعدد الثقافات والأديان.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي