نشر مكتب «العصر» الحقوقي الذي يدافع عن الزعيم الكردي عبد الله أوجلان المسجون في تركيا منذ اعتقلته قوات خاصة تركية في كينيا عام 1999، بياناً عن لقاء أجراه معه اثنان من محاميه، يوم الأربعاء الماضي، ورد فيه قوله: «دعونا نحل المشكلة الكردية. سنوقف النزاع المسلح خلال أسبوع.. سآخذ هذه المهمة على عاتقي». لكنه طالب النظام التركي بـ«القيام بما يتعين عليه فعله»، والأهم أنه أعرب عن اعتقاده بأن الأكراد في تركيا ليسوا بحاجة إلى دولة خاصة بهم، أي أن حقوقهم القومية ليس ضرورياً أن تتحقق من خلال دولة مستقلة، وهو ما يمثل تحولاً جذرياً عن الموقف الذي أُسس عليه «حزب العمال الكردستاني» عام 1978، ومفاده أن «كردستان مستعمرة، ويجب تحريرها وتوحيدها تحت نظام اشتراكي». وهذا هو الجديد تحديداً في تصريحات أوجلان، لأن تصريحاته عن التهدئة ليست بجديدة، إذ دعا في العام الماضي إلى التهدئة ونبذ لغة السلاح وحل المشاكل بالعقل والوسائل الحضارية والديموقراطية. والواقع أن إسقاط أوجلان بكل رمزيته في الحركة القومية الكردية مطلبَ الدولة يفتح باباً للأمل في حل المسألة الكردية التي لا تعني تركيا وحدها، وإنما كلاً من العراق وسوريا وإيران التي يتوزع عليها الأكراد، وهم يمثلون أمة لهم حقوق قومية. لكن المعضلة أن تلبية هذه الحقوق بإنشاء دولة كردية يترتب عليه المساس بالسلامة الإقليمية لأربع دول رئيسية في المنطقة، الأمر الذي يفضي إلى قدر هائل من عدم الاستقرار والفوضى. وقد ترتبت على مطالب الأكراد، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، صدامات عنيفة مع النظم الحاكمة التي يعيشون في ظلها، وبالذات في تركيا والعراق، دون أن يعني هذا غياب الصدام في الحالتين الإيرانية والسورية. وتكفي الإشارة إلى أن القتال بين «حزب العمال الكردستاني» والحكومات التركية المتعاقبة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، سقط ضحية له ما يزيد عن أربعين ألف قتيل، وأن نتذكر الصدامات العنيفة بين الأكراد والسلطة المركزية في العراق منذ ثورة 1958 وحتى سقوط نظام صدام حسين.
لكن الدخول عبر «باب الأمل» الذي تفتحه تصريحات أوجلان الأخيرة إلى حل للمسألة الكردية، سواء في تركيا أو في عموم المنطقة، ليس بالأمر الهين، وهناك اعتباران مهمان لابد من التحسب لهما قبل بناء أي استنتاجات متفائلة على هذه التصريحات، يتعلق أولهما بأوجلان نفسه وثانيهما بتركيا، أي بطرفي الصراع معاً. أما أوجلان فمطالبته بالتهدئة ليست بالأمر الجديد عليه، والواقع أن بعض المصادر تتحدث على نحو غير مباشر عن «توظيف» تركيا لأوجلان. وقد كتب «هوشنك أوسى»، وهو شاعر وكاتب وصحفي كردي سوري، بتاريخ 8 مايو 2018، يقول إن أوجلان تحوّل جذرياً بعد اعتقاله، ونَسب لصلاح الدين دميرتاش الرئيس السابق لـ«حزب الشعوب الديمقراطي»، قوله بأن الضغوط على حزبه وصلت بالحكومة التركية إلى حد الاتصال بأوجلان كي يضغط عليهم، لكنهم لم يستجيبوا لهذه الضغوط. كذلك نَسب أوسى لدميرتاش أن وزيراً في الحكومة التركية أحضر لهم -إبان معركة الاستفتاء على تعديل الدستور- رسالةً بخط يد أوجلان وتوقيعه توصي بالموافقة على تعديل الدستور، وهو ما تم رفضه، وأضاف دميرتاش أن أوجلان طلب منه أثناء معركة الانتخابات الرئاسية التي كان مرشحاً فيها ضد أردوغان أن يسحب ترشيحه لصالح الأخير. ويعني كل ما سبق أن أوجلان لم يعد يمثل كافة الأكراد، ومن هنا صعوبة تطبيق أفكاره. ففي مقابل هذا الاعتدال الظاهر من أوجلان، توجد أطياف متشددة ترفض توجهاته. وفي مسألة مصيرية كهذه، لابد من توفر أغلبية واضحة توافق على هذه التوجهات. أما الاعتبار الخاص بتركيا فينطلق من تصريحات أوجلان ذاتها التي ذكر فيها أن الجانب التركي يجب عليه القيام بما يتعين عليه فعله. فما هو يا ترى سقف المرونة التركية؟ وهل يتسع للحد العاقل من المطالب الكردية دون الدولة؟ ورغم أن النظام التركي يعيش حالياً ذروة أزماته داخلياً وخارجياً فهو لا يبدو حتى الآن أنه بصدد تغيير سياساته. ومن هنا فإن التفاؤل بتصريحات أوجلان يجب أن يكون شديد الحذر.