في دولة الإمارات العربية المتحدة، تستقي القوانين المنظِّمةُ والحاكمةُ روحَها من ما جبل عليه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، من أخلاق وتسامح ورحمة وعطف على شعبه. فهذه السجية متحققة في سموه، وقد استمدها من المؤسس الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
وانسجاماً مع هذه الروح في عام التسامح، وانطلاقاً من مبدأ التسامح ذاته، جاءت مكرمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بالإفراج عن عدد من المحكوم عليهم، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، والتي شملت مدانين في جرائم تتعلق بالإرهاب والتطرف. وقد جسدت هذه المكرمة حرص رئيس الدولة على جميع أبناء الوطن، وعلى منح المُفرَج عنهم فرصةً جديدة للاندماج في صفوف المجتمع، ولو أنهم ممن أخطؤوا وزلت أقدامهم انحرافاً عن حق بلدهم عليهم، ثم عادوا إلى الطريق المستقيم، مجددين إيمانهم وولاءهم لأرض الآباء والأجداد ولولي الأمر، بعد اجتيازهم برامج المناصحة.
وستجسدُ هذه المكرمة الساميةُ بالنسبة لغيرهم من المحكوم عليهم نموذجاً ملهماً وبريق أمل كبير في نيل مثل هذا العفو الكريم مستقبلاً، متى عادوا إلى جادة الصواب. وقد ثمّن هذه المكرمةَ برلمانيون وحقوقيون ومواطنون عاديون، لما تركته من ارتياح لدى عامة الشعب، وذلك بوصفها خطوة أخرى لإنهاء فكر متطرف  تركت أفعاله ونواياه سخطاً عارماً في نفوس الإماراتيين، والذي لولا اليقظة والحزم اللذين اتسمت بهما الدولة ومؤسساتها، لألحق أضراراً جسيمةً بالسلم والسكينة الأهليين، وبالضرورة لألحق أضراراً فادحة بالمنتمين له أيضاً!
ولحرص القيادة في دولة الإمارات على أبنائها وسلامة مجتمعها، فقد أنشأت مركزاً للمناصحة، أدى ويؤدي دوراً اجتماعياً مهماً، ببرنامجه من أجل إصلاح المفاهيم المغلوطة، وفي سبيل ترسيخ الإسلام المعتدل الذي يعتنقه شعب الإمارات، ومن أجل زرع روح المحبة والتسامح والإخاء في نفوسهم، وهي الصفات التي تشكل ملامح أساسية لشخصية الإمارات الحضارية.
إن ما فعلته الدولة في هذا الجانب هو إعادة المدانين إلى البيئة الحقيقية لمجتمع الإمارات، ولنسيجه الاجتماعي الذي يتصف بالعفو والتسامح كملامح أساسية لوجهنا الحضاري. أما التطرف والتشدد والغلو.. فتمثل انحرافات سلوكية هجينة وغريبة على مجتمع الإمارات، وعلى تقاليده ودينه وموروثه الثقافي، لما تحدِثه من خلل في السلم الاجتماعي والسكينة الأهلية.
كان الأشخاص المدانون، قبل انضمامهم للتنظيمات السرية، طاقات قد تكون مفيدة للمجتمع، لكنهم بسبب تطرفهم تحولوا إلى طاقات سلبية ضارة ومعيقة، عطلت نفسَها عن العطاء والمشاركة وأساءت للمجتمع وحاولت الإضرار به، وذلك بعد أن رهنت إرادتها لجهات خارجية ذات توجهات معادية للوطن. وهذا ما حدا بالدولة إلى كبح جماح التنظيمات السرية، ووقْف تغلغلها في المجتمع على غرار ما جرى في بعض البلدان العربية التي عانت من تبعات وجوده وإرهاب فلولها.
إن المتأثرين بتيار الإسلام السياسي لديهم مفاهيم مشوشة، لكنها تعارض التوجه الوطني جملة وتفصيلاً، وتجعل الولاء السياسي لأصحابها في مواجهة الدولة المجتمع، لكن المصيبة أنهم يُنصّبون أنفسهم «قضاة» للحكم على الجميع بأقسى الأحكام. بيد أنه حتى بعد الحكم العادل من محاكم الدولة بحق هؤلاء، يأتي العفو من رئيس الدولة تجسيداً لأخلاق التسامح وروحه.