يشير مصطلح التأهيل، أو بالأحرى إعادة التأهيل، والذي يضم تحت مظلته العلاج الطبيعي، لمجموعة من التدخلات التي يحتاجها مريض ما، يعاني من قصور وعجز في تأدية الوظائف والمهام اليومية. إما نتيجة للتقدم في السن، أو من جراء مشكلة صحية مثل الاضطرابات والأمراض المزمنة، أو بسبب إصابات بدنية جسيمة. ويشمل هذا العجز والقصور، ضعف النظر، وضعف السمع، وفقدان القدرة على التخاطب والتواصل، وإعاقات الحركة، وأحياناً عدم القدرة على تأدية المهام العقلية والذهنية، أو الحفاظ على استمرارية العلاقات الاجتماعية والزوجية، أو الحفاظ على وظيفة والاستمرار في العمل. في جميع تلك الحالات، تتيح إعادة التأهيل لهؤلاء الأشخاص، العودة لنشاطاتهم اليومية المعتادة، ولعب أدوراهم في الحياة ضمن الأسرة والمجتمع بشكل كامل، واستعادتهم لكامل الصحة والعافية بمفهومهما الواسع، البدني والنفسي. هذه الأهداف، يمكن تحقيقها من خلال استراتيجية صحية، تضع المريض في مركز الاهتمام، عبر برامج إعادة تأهيل متخصصة للحالات المعقدة، أو من خلال إدراجها ضمن البرامج والخدمات الصحية الأخرى، مثل الرعاية الصحية الأولية، والرعاية الصحية النفسية.
ومن الصعب تقدير مدى ونوعية الإعاقات المختلفة التي تصيب أفراد الجنس البشري، لأن الإعاقة في مفهومها العام، لا تقتصر على كونها حالة وضعية مقصورة على ضعف الإمكانات الجسدية للفرد، وإنما هي أيضاً مجموعة من الظروف الصحية التي تؤثر على قدرة الفرد في التفاعل مع البيئة المحيطة به. ومما يزيد الموقف تعقيداً، أن محاولات تحديد رقم معين لعدد المعاقين في دولة ما، وفي العالم إجمالًا، تصطدم باختلاف التعريف بين دولة وأخرى. وإن كان هناك اتفاق شبه عام على أن عدد المعاقين في العالم يزيد على 650 مليون شخص، وهو ما يعني أن واحداً من كل عشرة أشخاص مصاب بدرجة ما من الإعاقة. ومن بين هؤلاء، يوجد 100 مليون مصابين بإعاقات متوسطة أو شديدة، بينما تعاني البقية الباقية من إعاقات بسيطة. كما يوجد حالياً اتفاق عام على أن الإعاقات بأنواعها المختلفة، تنتشر بشكل أكبر في الدول الفقيرة والنامية، مقارنة بالدول الغنية والصناعية. ولا يقتصر الاختلاف بين هاتين الفئتين على مدى انتشار الإعاقات بين السكان فقط، بل يمتد أيضاً إلى القضايا الأخرى المتعلقة بالإعاقة مثل الحقوق السياسية، والدمج الاجتماعي، وحق المواطنة.
والملاحظ خلال الآونة الأخيرة، ازدياد الطلب حول العالم على خدمات إعادة التأهيل، نتيجة تغير الظروف الصحية والأنماط الديموغرافية، وبالتحديد ازدياد معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة غير المعدية، وازدياد متوسط أو مؤمل العمر، ضمن الظاهرة المعروفة بتشيخ المجتمعات. فعلى سبيل المثال، يقدر أن نسبة المتخطين للستين من العمر، سوف تتضاعف بحلول عام 2050، وفي الوقت نفسه، ازدادت معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة غير المعدية بنسبة 18 في المئة، خلال الأعوام العشرة الماضية فقط. وحالياً من بين مجمل سنوات العمر التي يحياها الأشخاص بإعاقة، تشكل سنوات الإعاقة الشديدة 15 في المئة من هذه السنوات، مما يجعل إعادة التأهيل تدخلاً صحياً أساسياً وجوهرياً لهؤلاء الأشخاص.
وعلى الرغم من ذلك، نجد أن السواد الأعظم من احتياجات إعادة التأهيل غير متوفرة. فعلى سبيل المثال في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، يوجد أقل من عشرة أشخاص متخصصين في إعادة التأهيل، لكل مليون من السكان، أي واحد لكل 100 ألف. هذا الوضع يمكن رده إلى أسباب عدة، ربما من أهمها المفاهيم الخاطئة. فخدمات إعادة التأهيل، ليست رفاهية، أو خدمات صحية اختيارية، لمن يستطيعون دفع ثمنها وتحمل نفقاتها. كما أنها ليست استراتيجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد فشل سياسات وإجراءات الوقاية وخدمات العلاج. فبداية، لكي يتم حصد الفوائد الصحية، والاجتماعية، والاقتصادية، لخدمات إعادة التأهيل، يجب أن تتوفر هذه الخدمات لجميع أفراد المجتمع، وفي الوقت الذي يحتاجونه فيها، وبتكلفة يستطيعون تحملها. وهو ما يعني في الكثير من الحالات، ضرورة بدء إعادة التأهيل في المراحل الأولى من المرض، واستمرار توفرها خلال جميع مراحل التدخلات العلاجية الأخرى.
ومن الضروري أيضاً إدراك طبيعة خدمات إعادة التأهيل، وبالتحديد كونها ليست مرتبطة فقط بالإعاقات المزمنة طويلة المدى، أو أنها فقط للمعاقين، بل هي جزء مهم ومكون رئيسي من منظومة الرعاية الصحية، يجب توفرها لكل من يعانون من مشاكل صحية، سواء كانت حادة أو مزمنة، ولكل من يعانون من قصور وعجز يحدان من قدرتهم على الأداء وعلى العمل والمشاركة المجتمعية.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والصحية