لم ترتدع دولة الاحتلال الإسرائيلي يوماً عن انتهاكاتها المرتكبة بحق أطفال فلسطين الذين باتت طفولتهم ليست كطفولة أقرانهم في العالم، وهم الذين تفتحت عيونهم على حواجز الاحتلال وجرائمه العلنية بحقهم وحق كل ما هو فلسطيني، في مسعى بائس لتدمير واقع ومستقبل الشباب الفلسطيني. ومع أن إسرائيل وقّعت في عام 1991 على اتفاقية حقوق الطفل، فإنها تكاد تكون «الدولة» الوحيدة في العالم التي لا تقيم وزناً لهذه الاتفاقية حين يتعلق الأمر بالطفل الفلسطيني. فما تمارسه من عسف بحق الأطفال الفلسطينيين باتت شواهده يومية لا تعرف الحدود، ما بين ملاحقة ومطاردة واستدعاء للتحقيق، كما هو الحال مع طفلي بلدة العيسوية (محمد ربيع عليان – 4 سنوات) و(قيس فراس عبيد –6 سنوات). والتهمة هي مقاومة الاحتلال أو محاولة رشق شرطته بالحجارة!
وخلال السنوات الثلاث الماضية، أصدرت محاكم إسرائيلية أحكاماً ضد نحو عشرين طفلاً فلسطينياً، أغلبهم من القدس المحتلة، من بينهم الطفل أحمد مناصرة الذي حُكم عليه بالسجن النافذ تسع سنوات ونصف السنة. وبحسب رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإن إسرائيل «تعتقل في سجونها أكثر من 200 طفل، من بينهم 50 طفلاً من مدينة القدس وضواحيها». ووفقاً لتقرير حديث لنادي الأسير الفلسطيني، فإن قوات الاحتلال «اعتقلت 908 من الفتية والأطفال الفلسطينيين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً خلال عام 2018، كما تعتقل قوات الاحتلال 3 أطفال فلسطينيين في اليوم، بما يعادل 90 طفلاً في الشهر». وبحسب تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريس»، الأسبوع الماضي، فإن «عدد الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا وجُرحوا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال 2018 هو الأكبر منذ عام 2014، وإن أغلبيتهم سقطوا بسبب إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلية النار عليهم». ?ودعا غوتيريس ?إسرائيل ?إلى ?التوقف ?فوراً ?عن ?الاستخدام ?المبالغ ?فيه ?لإطلاق ?النار. ?وبحسب ?التقرير ?الأممي، فقد «?استشهد ?59 ?ولداً ?فلسطينياً ?خلال عام ?2018 ?في ?الضفة ?الغربية ?وغزة، ?بينهم ?56 ?استشهدوا ?بنيران ?قوات ?الاحتلال ?الإسرائيلية. ?ومن ?مجموع ?2756 ?طفلاً ?أُصيبوا ?بجروح، كانت ?إسرائيل ?مسؤولة ?عن ?جرح ?2674 ?منهم ?خلال ?تظاهرات، ?أو ?خلال ?مواجهات ?جرت أثناء ?قيام ?جيش ?الاحتلال ?بعمليات ?اعتقال ومداهمة»?.
لقد أجبر الاحتلال أطفال فلسطين على خوض مراحل مهمة في قضية بلادهم منذ احتلالها وحتى اليوم، وكان لما يواجهونه من اعتقالات وقتل بدم بارد دور في فضح إرهاب الاحتلال أمام العالم وفي إيصال صور معاناة الشعب الفلسطيني. ?وقد ?بلغ ?عدد ?الأسرى ?الفلسطينيين ?في ?سجون ?الاحتلال ?الإسرائيلي ?بين ?عامي ?2016 ?و?2019، ?حسب ?المركز ?الوطني ?الفلسطيني ?للمعلومات، «?350 ?طفلاً ?قاصراً ?يتعرّضون ?لظروفٍ ?قهريةٍ ?قاسية ?من ?تعذيب وأحكامٍ ?عالية ?تصل ?ما ?بين ?5 و?9 ?سنوات، ?وتصل أحياناً ?إلى ?المؤبد»?. ?وقد تحدثت ?الشهادات ?التي ?عرضها «?المركز» ?للأطفال ?الذين ?تعرَّضوا ?للتعذيب ?في ?سجون ?الاحتلال، عن «?الضرب ?الشديد ?منذ ?لحظة ?الاعتقال ?بواسطة ?البنادق ?والأرجل ?والدّوس ?عليهم ?من ?قِبَل ?الجنود، ?وإطلاق ?الكلاب ?البوليسية ?المتوحّشة ?عليهم، ?واستخدام ?القاصرين ?دروعاً ?بشرية ?خلال ?عمليات ?الاعتقال، ?والتعذيب والإهانات ?والتهديد ?خلال ?عمليات ?الاستجواب، ?وترك ?الأطفال ?الجرحى ?ينزفون ?فترات ?طويلة ?قبل ?نقلهم ?إلى ?العلاج، ?ونقل ?المُصابين ?إلى ?مراكز ?التحقيق ?رغم ?خطورة إصاباتهم، ?وإجبار ?الأطفال ?على ?الإدلاء ?باعترافاتٍ ?تحت ?الضرب ?والتعذيب ?والتهديد ?باعتقال ?أفراد ?أسرهم، ?وعَزْل ?الأطفال ?في ?زنازين ?انفرادية ?وحرمانهم ?من ?زيارة ?الأهل ?والمحامين. ?ربط ?الأطفال ?المُصابين ?بأسرّة ?المستشفيات ?وتحت ?الحراسة ?والمعاملة ?السيّئة»?. ?
ومنذ ?انطلاق «?مسيرات ?العودة» ?في ?قطاع ?غزة، ?بلغ ?عدد ?الأطفال ?الذين ?استشهدوا ?أكثر ?من ?35 ?طفلاً، ?حسب ?وزارة ?الصحة، ?بينما ?أصيب ?أكثر ?من ?1433 ?طفلاً، ?منهم مَن ?تم ?تصنيف إصابته ?في ?إطار ?الإعاقة ?الدائمة.
ما يواجهه أطفال فلسطين يتطلب تدخلاً دولياً فعالاً لتوفير الحماية لهم، وخاصة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» في ظل القوانين الإسرائيلية العنصرية التي وُضعت لاستهداف الأطفال: تشديد عقوبة السجن الفعلي على راشقي الحجارة الفلسطينيين لتصل عشرين عاماً، وتوسيع الصلاحيات الممنوحة لقوى الشرطة لإطلاق الرصاص الحي على راشقي الحجارة، وتفويض الشرطة في القدس المحتلة لترويع الأطفال الفلسطينيين. وفي هذا السياق، لعل ما أورده والدا طفلي العيسوية يلخص الحال، حيث قال أحدهما: «لم نصدق في البداية أنهم يريدون اعتقال محمد، الأمر مضحك من جهة، ومحزن من جهة أخرى، لكن هذا الاحتلال يُتوقع منه كل شيء، بما في ذلك اعتقال الأطفال والحوامل والمسنين، فهو لا يراعي المشاعر ولا الحقوق الإنسانية». أما الوالد الثاني فقال: «جنود الاحتلال طاردت قيس في الشارع محاولةً اعتقاله، كان قيس في الحارة واشترى عبوة عصير كرتون صغيرة، وبعد أن شربها ألقى بها على الرصيف، وكان هنالك جنود في المكان اعتقدوا أنه يلقي حجارة عليهم فهجموا عليه وهرب مسرعاً إلى البيت واختبأ تحت السرير»!
ورغم ذلك تبقى إسرائيل في أعين أتباع الهرطقات التاريخية والسياسية، «واحة الحضارة والديمقراطية في الشرق الأوسط»!