تزداد المخاوف من أن تؤدي الحرب التجارية إلى ركود اقتصادي عالمي، وقد أظهر مسح نشر نتائجه «معهد إفو الاقتصادي» الألماني أن الآفاق الاقتصادية تدهورت في جميع أنحاء العالم، مع تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين. وفي الوقت الذي شكك فيه الرئيس دونالد ترامب بإمكان عقد جولة مباحثات بين أكبر اقتصادين عالميين في سبتمبر المقبل، استبعد بنك «غولدمان ساكس» أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق تجاري قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في أواخر عام 2020. مع العلم أن«ضعف الدولار» هو هدف استراتيجي في المعركة، يعتمد عليه ترامب لرفع مستوى حظوظه للفوز بولاية ثانية. لذلك يتمسك بإصرار على دعوته لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يواصل خفض أسعار الفائدة الذي بدأه في 31 يوليو الماضي لأول مرة منذ عام 2008، وهو يرى أن السياسة النقدية تكبل اقتصاد البلاد، و«قوة الدولار»، تلحق ضررا بالمصنعين. وفي حال نسفت مفاوضات سبتمبر المرتقبة، وفرضت واشنطن رسوما جديدة على الصين، يكون ترامب قد أطلق العنان لإجراءات انتقامية بشأن التجارة والسياسة النقدية، ما يخاطر بتسريع معركة سياسية أوسع نطاقاً بين البلدين.
منذ يناير 2017، عندما تسلم الحكم، بدأ ترامب حربه التجارية ضد الصين، متهمها بخفض«اليوان» وعدم تركه لقوى السوق، كسلاح في مواجهة الدولار، ورأى فريق إدارته أن التجاهل الأميركي لتلك الانتهاكات لن يستمر، وسترد واشنطن الصاع صاعين لكل من يسعى إلى الاقتطاع من نصيبها في التجارة الدولية، وإنْ أدى ذلك إلى نزاع مع الحلفاء، وفقدان الدولار مكانته التقليدية في العالم. في ذلك الوقت سجلت العملة «الخضراء» أسوأ أداء لها منذ عام 1987، بفعل مخاوف من استعداد الولايات المتحدة للتخلي عن سياسة «الدولار القوي» التي تبنتها على مدى عقدين من الزمن، وبسبب سياسات الحماية التجارية التي يتبناها ترامب، ثم القلق من استعداد إدارته لخفض سعر الصرف.
قبل أن يتسلم ترامب السلطة، كان العجز التجاري الأميركي 502 مليار دولار. وبعد سنتين وعلى رغم فرض الرسوم في مسعى لتقليص الفجوة، سجل رقماًَ قياسياً جديداً، بلغ 621 مليار دولا رفي 2018، وارتفع مع الصين وحدها بنسبة 20 في المئة، من 347 إلى 419 مليار دولار. ولكن حجم تجارة الصين مع الولايات المتحدة تراجع خلال السبعة أشهر الماضية 8.1% إلى 2.1 تريليون يوان (نحو 300 مليار دولار) علماً أن صادراتها زادت بنسبة6.7%. وقد وصف صندوق النقد الحرب التجارية بأنها «أكبر خطر»على الاستقرار العالمي، وقدرت خسائرها بنحو 2,9 مليار دولار لكل من أميركا والصين، جراء الرسوم فقط، بينما قدر خبراء أميركيون أن اقتصادهم خسر 8 مليارات دولار في العام الأول، وفي حال استمرت لعشر سنوات مقبلة، ستصل الخسائر إلى نحو تريليون دولار، خصوصا إذا تواصل هبوط اليوان إلى مستوى 7.5يوان للدولار.
ولعل المشكلة الأخطر من الحرب التجارية التي تواجه الاقتصاد الأميركي، هي أزمة تراكم الدين العام الذي تجاوز للمرة الأولى في فبراير الماضي عتبة 22 تريليون دولار، بزيادة 2.2 تريليون عن يناير 2017. وقد وعد ترامب الأميركيين في حينه، أن بإمكانه تسديد هذا الدين بسهولة خلال ثمانية أعوام، وكأنه بذلك يروج لتجديد ولايته مرة ثانية بحيث يترك الحكم في مطلع عام 2025، من دون أن يورث خلفه ديوناً ثقيلة كما فعل سلفه باراك أوباما. ولكن خلافا لتوقعاته المتفائلة، فإن حجم الدين سيرتفع بوتيرة تدريجية سنويا، نظرا لحاجة الحكومة الأميركية إلى اقتراض 1.08 تريليون دولار في العام الحالي، ونحو1.13 تريليون في العام المقبل، وفق تقديرات وزارة المالية.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية