رغم أن الغالبية العظمى تدرك أن عدم العناية بنظافة الأسنان يؤدي إلى تسوسها، فإن القليلين هم الذين يدركون أن مشاكل الفم والأسنان -أو بالأحرى مرضهما- يؤدي إلى الإصابة بمجموعة من الأمراض والعلل التي تؤثر على عامة الجسد، حيث يرجح عدد من الدراسات السريرية الحديثة أن أمراض والتهابات الفم، ربما تكون عاملاً خطراً في عدد من الأمراض العامة، أي التي تؤثر على عموم الجسد، مثل أمراض القلب والشرايين، متمثلة في السكتة القلبية والذبحة الصدرية، والالتهابات الرئوية الحادة الناتجة عن العدوى بالبكتيريا، وزيادة وقع وأثر المضاعفات الصحية بين مرضى السكري، والإصابة بهشاشة العظام، ونقص وزن الجنين عند الولادة، أو زيادته عن الحدود الطبيعية بشكل كبير.
ويعتبر تسوس الأسنان في مرحلة الطفولة، بما في ذلك تسوس الأسنان اللبنية، مشكلة صحة عامة حتى في الدول الغنية والصناعية المتقدمة. فعلى سبيل المثال في إنجلترا، تظهر البيانات والإحصائيات أن تسوس الأسنان هو السبب الأول والرئيسي، خلال السنوات الثلاث الماضية، لدخول الأطفال (بين سن الخامسة والتاسعة) إلى المستشفيات. ومما يزيد الطين بلة، أن أكثر من 40 في المئة ممن هم دون سن الثامنة عشرة، لم يقوموا بزيارة طبيب الأسنان حتى ولو مرة واحدة خلال العام الماضي، وترتفع هذه النسبة إلى 77 في المئة وسط الفئة العمرية بين سنة واحدة وسنتين، رغم الإرشادات التي توصي بضرورة زيارة طبيب الأسنان مرة واحدة على الأقل كل عام. وهو الأمر الذي دفع كلية جراحي الأسنان في بريطانيا (Faculty of Dental Surgery)، نهاية الأسبوع الماضي، إلى مطالبة الحكومة بضرورة حث المدارس في إنجلترا وتشجيعها على منع السكريات ضمن الوجبات التي تقدم للطلاب، وتقليل نسبتها في الأطعمة المتاحة للشراء من مقاصف تلك المدارس، كخطوة أولى وأساسية لمكافحة تسوس الأسنان بين الطلاب.
وتأتي هذه المطالبة ضمن تقرير صدر عن كلية جراحي الأسنان، تضمن 12 توصية، تهدف جميعها إلى خفض معدلات تسوس الأسنان بين أطفال المدارس في إنجلترا. ومن بين هذه التوصيات:
أولاً: إنشاء وتفعيل برنامج لمراقبة التزام الأهل وأطفالهم بتنظيف الأسنان واستخدام الفرشاة بشكل صحيح ودائم ومنتظم، مثل البرامج المطبقة في إسكتلندا وويلز.
ثانياً: إصدار تعليمات وإرشادات للمدارس تهدف إلى تحقيق هدف خلوها من السكريات في الأطعمة والمشروبات.
ثالثاً: توسيع نطاق الضرائب المطبقة حالياً على المشروبات الغازية والسكرية، لتشمل أيضاً مشروبات منتجات الألبان المضافة لها سكريات.
رابعاً: الحد من الإعلانات والدعيات التي تروج لمنتجات مرتفعة المحتوى من السكريات.
خامساً: خفض محتوى السكر في أطعمة الأطفال الرضع وصغار السن (Baby foods).
وببساطة، يحدث تسوس الأسنان، أو تعفنها، إذا ما ترجمنا حرفياً الأصل اللاتيني للكلمة في اللغة الإنجليزية، نتيجة بقايا الطعام التي تظل على سطح الأسنان، وبين ثناياها، هذه البقايا تعتبر غذاءً وفيراً للبكتيريا التي تقطن الفم، والتي بعد أن تنهل منها، وتهضمها، في شكل من أشكال التخمر المعروفة، تنتج حامضاً ضمن بقايا عملية التخمر تلك. هذا الحامض، يتسبب في تآكل طبقة الأنسجة الخارجية الصلبة للأسنان، ويمكن البكتيريا من الوصول إلى الأنسجة الرخوة الداخلية. ويعتقد أن هذه العملية المرضية، تبدأ في شهور وسنوات الطفولة الأولى، مع انتقال البكتيريا من الشخص الذي يرعى الطفل، إلى فم الطفل، في شكل من أشكال العدوى التقليدية. وإن كان وجود البكتيريا في حد ذاته لا يسبب تسوس الأسنان، حيث لا بد من وجود بقايا الطعام، كي يحدث التخمر، وينتج الحامض المذيب للأسنان، وهو الجزء الذي تلعب فيه العادات الغذائية السيئة دوراً مهماً، بداية من سنوات الطفولة الأولى، حيث يؤدي الاستهلاك المتكرر للسوائل، مثل العصائر، والحليب الطبيعي، وحليب الأطفال، والمشروبات الغازية، والمحتوية جميعها على كربوهيدرات سريعة التخمر، إلى منح البكتيريا الفرصة والوقود اللازم لإنتاج الحامض ضمن مخلفاتها.
وبخلاف محتويات السوائل التي تسقى للطفل، يلعب الزمن، وعدد مرات الإطعام دوراً مهماً هو الآخر، حيث تزداد احتمالات التسوس مع زيادة عدد المرات التي يمنح فيها الطفل السوائل المحتوية على كربوهيدرات، كما تزداد هذه الاحتمالات إذا ما سمح للطفل بالنوم -خلال النهار أو الليل- وزجاجة الرضاعة في فمه. ولذا ينصح بتقليل عدد المرات التي يسقى فيها الطفل تلك السوائل، وعدم السماح له بالنوم وزجاجة الرضاعة في فمه. وفي مراحل الطفولة اللاحقة، يؤدي استهلاك الطفل للحلويات، وبقية الأطعمة المحتوية على السكريات، لضرر بالغ على أسنانه، بالإضافة إلى المشروبات الغازية، والتي بخلاف احتوائها على كميات هائلة من السكريات، تتسبب درجة حموضتها نفسها، في إذابة الجزء الخارجي الصلب من الأسنان، عند الأطفال والبالغين على حد سواء.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية