عندما زرتُ تونس مؤخراً التقيتُ العديد من المثقفين والصحفيين والفنانين. ومن الطبيعي أن أسأل هؤلاء الذين يعيشون في أحوال بلدهم ويُفكرونها عن الأوضاع السياسية والاقتصادية.
لمستُ أن كل الذين التقيتهم أبدوا تخوفاً من احتمال انتصار «الإخوان» في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وقلتُ: لماذا؟ أشار أحدهم إلى ما حدث سابقاً من أعمال شغبٍ في الشارع التونسي، بفعلِ انفلاتِ هؤلاء لينشروا الفوضى والخراب ويحطموا المحال والمقاهي ويعتدوا على النساء... توقف صديقي ثم قال لي: «طبعاً أنت تعرف المسرح البلدي، هذا الصرح المعماري والوطني والثقافي الكبير.. اعتدى عليه هؤلاء وحطموا أجزاء كبيرة منه وحاولوا إحراقه، وقد كلف ترميمه نحو ستة ملايين دولار» وأضاف: لم يوفروا أي أمكنةٍ حضارية أو رموز وطنية، فقد وصل بهم الأمر إلى الهجوم على تمثال بورقيبة رمز الاستقلال ومنصف المرأة في حقوقها ومقاوم الاحتلال الفرنسي. لكن الناس منعوهم من ارتكاب هذه الجريمة الوطنية. ثم قال لي: هذا ما سيرتكبونه وإنْ بطريقةٍ أخرى إذا نجحوا في الانتخابات لضرب الهوية العربية التونسية ونسف كل ما صنع تاريخها القديم والحديث. فقلت له: «والشعب أو على الأقل فئات منه، أولم يكتشفوا بعد خطورة هؤلاء؟!» فأجاب: «نعم! لكن هناك أموال تتدفق عليهم من بعض الدول العربية مثل قطر وتركيا. ولا أستبعد إيران».
سألته: ألم يعالج الرئيس الراحل السبسي مثل هذه الأمور! قال: نعم، إلى حدٍ ما احتوى كل هذه الممارسات بتأليف سلطة وفاقية. لكن جمع كل هذه الأطراف تحت شعار ما يسمى وحدة وطنية شلّ الحكومة الواقعة بين هذه التناقضات التي أثرت سلباً على الاقتصاد الوطني. صحيح أن جمع هذه الأحزاب والحركات التعددية ساعد على احتواء بعض الأزمات إلا أنه في الوقت ذاته منح «الإخوان» فرصة أن يستغلوا وجودهم في السلطة لعرقلة كل مشروع لا يتوافق مع مصالحهم. يعني أنه لا يريدون ولا يرغبون فصل الدعوة الدينية عن السياسية، برغم تمثيلهم مسرحية متعددة الأدوار بينهم لعبها الداعية «مورو» (المرشح للانتخابات الذي يتظاهر بأنه اختلف مع الغنوشي على هذه النقطة المحورية) فقلتُ له: «سمعته يردد ذلك على عدة شاشاتٍ ولم أصدقه. فهؤلاء يستخدمون الخُبثَ والتقية والباطنية. وأظن أنهم يتبادلون الأدوار خدمةً لترشيحاتهم وتضليلاً للناس».
وقد تبادلت الحديث أيضاً مع آخرين وكونت فكرةً أوليةً احتماليةً، أن هؤلاء القوم لا يُدار لهم ظهرٌ وسألتُ أحد أصدقائي الآخرين: هل استنكر «الإخوان» في تونس ما يرتكبه رفاقهم في ليبيا بالتضامن مع «داعش» و«القاعدة»؟ هل اعتذر «إخوان» تونس عن الخراب الذي أحدثوه في العاصمة التونسية.. هل ذكروا يوماً أنهم جزء من محيطهم العربي؟ هل برروا يوماً حلفهم مع أردوغان وإيران؟ وهل يعملون على بناءِ أردوغان امبراطورية عثمانية جديدة زعموا يوماً أنهم يريدون إحيائها في عشرينيات القرن الماضي؟
أعتقدُ بعد كل ما سمعت وقرأت حول الانتخابات أن المخاوف في محلها، وأن ما يُنشر ويُقال عن التصدع في صفوف «الإخوان» بين الغنوشي مثلاً و«مورو» ليس في العمق سوى مناورة ظرفية. ونظن أنهم سيصبون كلهم في الدورة الثانية لمصلحة مرشح «الإخوان» سواءً كان «مورو» أو سواه. إنها لعبتهم. لكن من ناحية ثانية، هل يمكننا القول إن على المرشحين ال26 للانتخابات الرئاسية أن يعوا مخاطر نجاح «الإخوان» الذين ترشحوا للرئاسة والحكومة؟ وأن يحسموا في هذه المعركة الأمر من خلال توحيد جهودهم خصوصاً في الدورة الثانية من الانتخابات؟
هل يمكنني القول، إن على بعض الطامعين في النجاح ألا يصدقوا احتمال تبادل أصوات مزعومة بينهم وبين «الإخوان»، بل أكثر، هل يمكن أن يأخذوا موقفاً جذرياً لإبعاد هؤلاء عن السلطة، أو على الأقل، التأثيرات المركزية المباشرة التي تطال الهوية التونسية نفسها؟ أقول ذلك وأنا لا أعرف تفاصيل ما يدور وراء الكواليس ولا بين المرشحين، وحملاتهم الانتخابية، لكن يقيناً، أن هؤلاء «الإخوان» ككل المظاهر الفاشية يستغلون الديمقراطية ليلغوها، وينادون بالحرية ليحرموها، وينشدون الدولة ليقطعوها قطعةً قطعةً. أوليس هذا ما فعله هتلر الذي وصل إلى الحكم الألماني عبر الديمقراطية.