قفزة كبيرة تحدث على مستوى الشورى والديمقراطية التي تنتهجها الإمارات في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي في دورته الرابعة والتي ستبدأ في أكتوبر المقبل. ومن أجل الوصول إلى عملية انتخابية تتميز بالدقة والشفافية بما يتناسب مع مسيرة الدولة ويواكب تطلعاتها، فإن اللجنة الوطنية للانتخابات تعمل بجد ومسؤولية لتحقيق النتائج المرجوة التي تتطلع إليها القيادة الرشيدة، ويترقبها الشعب.
إن الانتخابات المقبلة تمثل تحولاً كبيراً ومهماً في تجربة الإمارات البرلمانية لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها: ارتفاع عدد المشاركين في الانتخابات إلى 337738 مواطناً ومواطنة مقارنة مع الأعداد في الدورات الثلاث الماضية. ففي عام 2006 كان عدد المنتخبين 6595، وفي عام 2011 وصل العدد إلى 135 ألفاً، ثم ارتفع في عام 2015 إلى 224279.
في المقابل تأتي الزيادة في أعداد المترشحين هذا العام في سياق مسار التطور النوعي للعملية الانتخابية، وبما يعزز المشاركة في صناعة القرار. فقد حققت الدورات السابقة محطات مهمة بالنسبة للإماراتيين، ومثلت إنجازات مرحلية ساهمت كثيراً في تعزيز الوعي السياسي لديهم، وأفرزت أعضاء عديدين من جيل الشباب. ويضاف إلى جملة التطورات النوعية التي حدثت، اتخاذ القيادة في الإمارات قراراً بزيادة نسبة مشاركة المرأة في تشكيل المجلس الجديد بما لا يقل عن 50%، وهذا القرار سابقةً دولية، وهو بلا شك يؤكد إيمان القيادة بالدور الفاعل الذي تؤديه المرأة الإماراتية التي بات حضورها متميزاً في كافة المجالات التي عملت فيها والمراكز التي شغلتها.
كذلك الأمر بالنسبة لمشاركة الشباب من الجنسين في المجلس الوطني، بين عمر 21 و40 عاماً حيث جاوزت نسبة تلك الشريحة 60% من مكوّن المجلس، وهي مسألة تحمل دلالات كثيرة، بخاصة ً وأنها تؤكد ثقة القيادة في أبناء هذا الجيل الذي يمتلك أدوات الوعي من علم ومعرفة، وبالتالي فإن التجربة الانتخابية القادمة ستحمل روحاً جديدة تجمع بين الخبرات المتراكمة ورؤى الشباب، مثلما تجمع مناصفةً بين عنصرين أساسيين من مكونات المجتمع الإمارات هما الرجال والنساء، وهو ما يتناسب مع خصوصية المجتمع وتطلعاته، وتسير بتدرج وانتظام وتوازن مستمدة قوتها من الدعم اللامحدود الذي تقدمه القيادة السياسية الحريصة على أن يكون دور المجلس الوطني الاتحادي فاعلاً في الأداء، ومتفاعلاً مع القضايا الداخلية والخارجية، وقادراً على المشاركة في صناعة القرار.
وحسناً فعلت اللجنة المشرفة على الانتخابات حين حظرت الدعاية الانتخابية المخادعة التي قد يُقدم عليها بعض المترشحين عبر أي وسيلة إعلامية وإعلانية، والتي تنطوي على إطلاق الوعود أو البرامج التي تخرج عن مهام وصلاحيات أعضاء المجلس الوطني. كما حظرت عليهم استغلال الدين أو الانتماء القبلي أو الجمعيات والأندية لتحقيق مآرب شخصية عمادها «البرستيج» والامتيازات التي سيحصلون عليها بعد انتخابهم، وبالتالي على جميع المترشحين أن يكونوا على قدر المسؤولية الوطنية المقدمين عليها والملقاة على عاتق كل واحد منهم، تلك التي تقتضي منهم جميعاً الصدق والأمانة والتفاعل مع قضايا المجتمع، وهنا، النوايا الطيبة لا تكفيهم على الإطلاق، ولن تنقذهم إن هم أخطأوا بحق الوطن والمواطن، بل عليهم أن يعملوا ويجتهدوا ويخلصوا.
وفي المقابل ثمة مسؤولية أخرى وكبيرة تقع على عاتق الناخبين، إذ لا بد أن يحسنوا اختيار ممثليهم ممن يمتلكون الكفاءة التي يتطلبها منصب عضو المجلس الوطني الاتحادي، ويدفعوا نحو منح الأصوات لمن يستحقونها فعلاً، ويتعلّموا من الأمثلة الصارخة التي تقدمها معظم التجارب البرلمانية «الفاشلة» في دول العالم الثالث. وعليه، فإنه لا يزال أمام الناخبين الإماراتيين متسعاً من الوقت ليدرسوا الخيارات المطروحة جيداً، ومثلما هو مجلسهم أمانة، كذلك هي أصواتهم.