طالما أن الأميركيين مستمرون في إنفاق مبالغ كبيرة من المال على السلع الاستهلاكية، فإن الاقتصاد الأميركي يفترض أن يظل في وضع قوي مع دخول البلاد سنة انتخابية. ذلك أن أربعة أخماس الاقتصاد الأميركي تعتمد على إنفاق المستهلك، الذي يشمل كل المواد من القهوة إلى السيارات. أما في حال بدأ الأميركيون، لسبب أو لآخر، الإنفاق على السلع الاستهلاكية بشكل أقل، فإن التأثير على النمو الاقتصادي، وبالتالي صحة الاقتصاد، سيكون كبيراً جداً. وهذا سيمثّل خبراً سيئاً بالنسبة للرئيس دونالد ترامب.
لكن، ما الذي يسبّب مثل هذا التحول في عادات الإنفاق؟ أحد المؤشرات المهمة هو «مؤشر ثقة المستهلك»، وهو مؤشر اقتصادي ينشره كل شهر «مجلس المؤتمر المستقل» حول درجة التفاؤل التي يشعر بها المستهلكون إزاء حالة الاقتصاد الأميركي. ويستند «مؤشر ثقة المستهلك» على مسح يشمل 5 آلاف أسرة. ومن شأن الخوف من ركود اقتصادي أن يجعل المستهلكين أكثر ميلا إلى الإمساك عن الإنفاق إن اعتقدوا أن رواتبهم ستعاني في المستقبل، إذ يمكن أن يؤجّلوا شراء بعض المواد الكبيرة مثل السيارات والمنازل وأن يخفضوا إنفاقهم على الأكل في المقاهي والمطاعم وعلى الترفيه. والتأثير الحتمي وغير المباشر للانخفاض في حجم المال الذي يتم إنفاقه على السلع الاستهلاكية ينعكس على الاقتصاد بشكل عام. ثم هناك عامل آخر هو الكم المتزايد من الديون الشخصية التي في ذمة الأميركيين. ففي عام 2018، ناهز حجم الديون الشخصية للأميركي المتوسط 38 ألف دولار، وهي ديون تعزى أسبابها الرئيسية إلى قروض الدراسة، والفواتير الطبية غير المسددة، وديون بطاقات الائتمان الخاصة بعمليات شراء المواد الاستهلاكية.
ولعل أهم عامل هو ذاك المتعلق بالقلق بشأن الاقتصاد العالمي وتأثير النزاعات التجارية التي لم تحل، وخاصة تلك التي بين الصين والولايات المتحدة. فقرار ترامب فرض رسوم جمركية على العديد من السلع الصينية المصدَّرة إلى الولايات المتحدة، كان يحظى في البداية بدعم كثير من الأميركيين الذين أدركوا أن الصين لا تلتزم بقواعد التجارة الدولية المتفق عليها، بما في ذلك تلك المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية، مثل الأفلام والكتب والموسيقى. لكن ما أصبح واضحاً هو أن رد الصين الحتمي شمل فرض رسوم جمركية على بعض من أكثر قطاعات الاقتصاد الأميركي حساسية، لاسيما المنتجات الزراعية. ونتيجة لذلك، فإن صغار المزارعين الأميركيين، وخاصة أولئك الذين ينتجون حبوب الصويا، باتوا يعانون الآن ويتلقون إعانات حكومية حتى يتمكنوا من الاستمرار في نشاطهم الزراعي. وإذا لم يستطع ترامب التوصل إلى اتفاق تجارة شامل جديد مع الصين، فما من شك في أن مزيداً من الأميركيين سيعانون من تأثير الرسوم الجمركية الصينية.
وهناك مشاكل دولية أخرى يمكن أن تؤثّر أيضاً على الاقتصاد الأميركي وعلى ثقة المستهلك في الولايات المتحدة. وتشمل هذه المشاكل حالة الغموض وعدم اليقين بشأن تأثير البريكست في حال لم يتم التوصل لاتفاق بين الحكومة البريطانية الجديدة والاتحاد الأوروبي. والمثير للقلق أيضاً هو تراجع الاقتصاد الألماني، الذي يُعد الأقوى في أوروبا، وإمكانيات اندلاع مزيد من الأزمات في الشرق الأوسط، وخاصة مع إيران. ذلك أن أي اضطراب في تدفق النفط من الخليج، بسبب تحرك عسكري، من شأنه أن يؤثّر على أسعار النفط، على الأمد القصير على الأقل. وهذا، بدوره، من شأنه أن يزيد تكلفة الغازولين بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، كما من شأنه أن يتسبب في ارتفاع شامل للأسعار نظراً لأن الكثير من التجارة الداخلية الأميركية ما زالت تعتمد على النقل الطرقي.
والواقع أن أي مؤشرات على إمكانية اتجاه الاقتصاد الأميركي نحو ركود تمثّل خبراً سيئاً جداً بالنسبة لترامب، وذلك على اعتبار أن قوة الاقتصاد تمثّل واحدة من أهم حججه وبطاقات اعتماده لإعادة انتخابه في اقتراع عام 2020 الرئاسي. فتاريخياً، يفوز الرؤساء الأميركيون بإعادة الانتخاب إذا كان الاقتصاد في حالة جيدة، ويخسرون إذا كان الاقتصاد في حالة سيئة. غير أن ترامب يواجه عراقيل إضافية في عام 2020. ذلك أن كل استطلاعات الرأي تصنّفه كواحد من أقل الرؤساء شعبية في عامه الأخير، لاسيما في أوساط الناخبين من الأقليات. وفي حال توجهت هذه المجموعات إلى مكاتب الاقتراع يوم التصويت بالأرقام نفسها التي شاركت في الانتخابات التي أسفرت عن فوز أوباما الثاني في عام 2012، لكنها تخلفت عن التصويت لصالح هيلاري كلينتون في 2016، فيمكن القول إن ترامب سيكون في ورطة كبيرة. وهذا ما يفسّر انشغاله بالاقتصاد ومخاوفه من أن يكون الاقتصاد الأميركي بصدد التراجع مع دخولنا إلى سنة انتخابية مهمة وحاسمة.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» -واشنطن