لقد طبّق كل الزعماء الصينيين، من دنغ شياو بينغ إلى شي جين بينغ، مبدأ «سون تزو» المحوري بشكل حرفي: الانتصار من دون خوض حرب. غير أن الثمن الإجمالي للحروب التي خاضتها بكين منذ 1949 كان بسيطاً، إذا ما قارناه بكلفة الحروب التي انخرطت فيها الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي. وبسبب تلك الحروب ضعفت الأولى وانهارت الثانية. فإبان الحرب الباردة، تسببت حرب فيتنام (التي أجّجتها الصين بكلفة صغيرة) في هز وزعزعة قوة الولايات المتحدة ومكانتها المعنوية. ومن جانبها، تسببت حرب أفغانستان (التي يعتبرها البعض «فيتنام السوفييتية») في تسريع سقوط الاتحاد السوفييتي.
وفي مايو 2019، اتصل دونالد ترامب هاتفياً بالرئيس السابق جيمي كارتر (1977-1981) لمناقشته حول النزاع التجاري مع الصين. فشرح له كارتر لماذا باتت الصين، برأيه، بصدد تجاوز الولايات المتحدة: «لقد طبّعتُ العلاقات الدبلوماسية مع الصين في 1979. لكن هل تعلم كم مرة خاضت الصين فيها حرباً؟ ولا مرة واحدة. أما نحن، فقد كنا دائماً في حرب». وأشار كارتر بأصبع الاتهام إلى رغبة الولايات المتحدة في فرض القيم الأميركية على الأمم الأخرى. وبالمقابل، أشار إلى الـ18 ألف ميل من خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة في الصين وغيابها في الولايات المتحدة. ذلك أن الـ3 آلاف مليار دولار من النفقات في الحروب لم تنفق على البنى التحتية.
وإذا كانت الصين تعمل هي أيضاً على تعزيز قواتها العسكرية، عبر تعزيز وجودها في بحر الصين بشكل خاص، فإنها تحرص على عدم الانخراط في سباق تسلح يتسبب في إنهاكها. فقد رأت أن الاتحاد السوفييتي إنما انهار بسبب سعيه إلى تحقيق تكافؤ استراتيجي مع واشنطن لم يكن يملك الإمكانيات الكافية له.
والواقع أن بكين تعمل على تأمين وارداتها وصادراتها، لكن برنامج طرق الحرير الجديدة يسهم في ذلك أكثر من استعراض القوة. صحيح أن ثمة قاعدة عسكرية في جيبوتي، تزعج واشنطن وتغضبها، غير أن ثمة أيضاً، وعلى الخصوص، خطاً للسكك الحديدية من أديس أبابا إلى جيبوتي أنشأته الصين، خط يفوق تأثيره بكثير تأثير القاعدة العسكرية.
غير أنه يمكننا أن نتساءل ما إن كان ترامب قد تأثر أيضاً بـ«سون تزو». صحيح أنه من غير المحتمل أن يكون ترامب قد قرأ كتاب «فن الحرب»، لكن أليس ترامب في الواقع بصدد القطع مع سياسة الهيمنة الليبرالية التي انتهجها كل الرؤساء الأميركيين السابقين منذ نهاية الحرب الباردة، والتي تقوم على فرض القيم الأميركية في الخارج بواسطة التدخلات المسلحة؟
الواقع أن ترامب، وبالتوازي مع عمله على تعزيز القوات العسكرية الأميركية، يريد تقليص وجودها في الخارج وتقليص الكلفة المترتبة عن ذلك. فهو لم يعد يرغب في تدخلات عسكرية خارجية، بل يريد الانسحاب من بعض المستنقعات الاستراتيجية التي علقت فيها الولايات المتحدة. ولا شك أنه يريد فرض الهيمنة الأميركية («أميركا أولاً»، و«جعل أميركا عظيمة من جديد»)، لكنه يريد ذلك من دون وسائل حربية. إنه يريد التغلب على أعدائه دون خوض معركة عسكرية، مفضلاً سلاح الحظر والعقوبات الاقتصادية من خلال استخدام الطابع الخاص للقوانين الأميركية الذي يسري خارج تراب الولايات المتحدة، لإخضاعهم لإرادته.
حين نفكر في الأمر جيداً، ورغم كل شيء، نجد أن ترامب أيضاً يريد التغلب على العدو من دون خوض معركة، و«من دون وضع الأرجل في الممالك الأجنبية، يجد الوسائل للغزو من دون عمليات طويلة». فترامب يريد إسقاط الأنظمة الإيرانية والفنزويلية والكوبية، لكن من دون إطلاق طلقة نارية واحدة، وإنما عبر خنقها اقتصادياً.
إن قراءة كتاب «سون تزو» ما زالت ضرورة ملحة حتى اليوم، من باب حب القراءة طبعاً، لكن أيضاً من أجل فهمٍ جيدٍ للسياسة الخارجية الصينية المعاصرة، ولإشكاليتي الحرب والسلام العالميتين.

*مدير معهد العلاقات الخارجية والاستراتيجية -باريس