أحد المقاييس الرئيسة لإنجاز التقدم والرقي الحضاري، هو توفر الموارد الطبيعية والبشرية المتميزة والقادرة على تحقيق ذلك.
وتعد ألمانيا من أهم الدول المتقدمة في العالم، وقد حققت مستشارتها أنجيلا ميركل إنجازاً كبيراً، عبر قبولها أكثر من مليون مهاجر أجنبي إلى بلدها، خلال الأعوام الماضية الأخيرة.
وقد نشرت مؤخراً صحيفة «التايمز» البريطانية تقريراً كتبه مراسلها «روجر بويز» يوضح فيه نجاح المستشارة الألمانية في دمج ملايين المهاجرين الذين قدموا من بلدان عدة في المجتمع الألماني، حيث استطاعت ألمانيا بذلك تعويض انخفاض معدل المواليد بين سكانها.
ويؤكد الكاتب أن سبب نجاح ميركل يعود إلى فتح بلدها على مصراعيه لأكثر من مليون مهاجر ولاجئ قبل أربع سنوات من الآن. ووفقاً لإحصائيات سوق العمل في ألمانيا فإن أكثر من ثُلث المهاجرين الذين قدموا من سبع دول مسلمة وشرق أوسطية، هي العراق وسوريا والصومال وإيران وباكستان وإريتريا وأفغانستان، أصبحت لديهم مناصب عمل ثابتة ويدفعون الضرائب للحكومة الألمانية.
ومن هنا يبرز السؤال: لماذا نجحت ألمانيا في استيعاب وصهر اللاجئين رغم حقيقة كونهم جاؤوا من دول عربية وإسلامية تعاني من الفشل التنموي، بل تشهد حروباً أهلية؟
يعود السر في النجاح الألماني إلى صغر سن اللاجئين وقدرتهم البدنية ومستوى تعليمهم الجيد، حيث إن 42 في المئة منهم حاصلون على التعليم الإعدادي على الأقل، كما أنهم اندمجوا مع زملائهم الألمان، مما ساعد على تطورهم المهني. ثم إن نظام التعليم والتدريب واللغة الألمانية.. كل ذلك جعلهم مؤهلين لسوق العمل. وكما قال رئيس مجموعة «دايمر» الألمانية العملاقة، لصحيفة «التايمز»، فإن اللاجئين «أساس معجزة الاقتصاد الألماني القادمة».
والسؤال الذي علينا طرحه في الدول العربية هو: كيف يمكن الاستفادة من التجربة الألمانية الحديثة في استقبال اللاجئين؟
هنالك فرق رئيسي بين التجربة الألمانية والتجربة العربية، ففي الدول العربية تم منذ اكتشاف النفط الاعتماد على العمالة الأجنبية، لكن دول العالم العربي عموماً تنظر للإنسان بشكل أساسي على أنه يشكل تكلفة وعبئاً مالياً على الميزانية العامة، سواء أكان مواطناً أم مقيماً أجنبياً، ويعود السبب في ذلك إلى مفهوم «الدولة الريعية»، حيث نادراً ما يدفع الأشخاص أي ضرائب، وليست لهم أي مساهمة في الميزانية القومية، بل على العكس من ذلك فهم يشكلون تكلفة وعبئاً عاماً، إذ تتكفل «الدولة الريعية» بكل الخدمات، مثل التعليم والصحة وغيرهما، دون مقابل مادي إلا القليل.
أما في ألمانيا والدول المتقدمة الأخرى فيعتبر الإنسان، أي إنسان، قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، حيث يتوقع منه أن يتعلم ويتدرب ويعمل في القطاع الخاص، ويدفع الضرائب، ويؤدي الخدمة العسكرية.
والحقيقة أن السياسات العربية في هذا المجال غير مستدامة، وتترتب عليها أعباء اقتصادية مكلفة، وقد برز ذلك بعد انخفاض أسعار النفط، حيث بدأت بعض الدول تعاني من عجوزات مالية في ميزانياتها العامة.
المطلوب منا اليوم، خليجياً وعربياً، هو إعادة النظر في أسلوب التعامل مع الإنسان، بحيث يصبح إنساناً مبدعاً ومنتجاً وحريصاً على تنمية بلده بالإخلاص في عمله.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت