أظهرت دراسة قام بها مجموعة من الباحثين في كل من بريطانيا وإيران، أن تناول حبة أو كبسولة تحتوي على كوكتيل من عدة أدوية وعقاقير طبية مخلوطة معاً، يمكنها أن تخفض عدد الوفيات الناتجة عن الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية بمقدار الثلث. وتحتوي هذه الكبسولة على عقار الأسبرين، كمانع لتجلط وتخثر الدم، وعقار من مجموعة «الستاتين» لخفض مستوى الكوليستيرول في الدم، وعقاران يستخدمان في المعتاد لخفض ضغط الدم. والجميل في هذه الكبسولة، بخلاف أنها تخفض الوفيات بدرجة ملحوظة، أنها زهيدة الثمن ومنخفضة التكلفة، وهو ما يطرح إمكانية توفيرها لجميع من تخطوا سناً معينة من سكان الدول الفقيرة، والتي لا تتاح فيها للأطباء خيارات عدة في تحقيق أهداف الوقاية من أمراض القلب والشرايين، ولا حتى فرصة تقييم احتمالات الخطر للشخص.
وبالفعل قام الباحثون في تلك الدراسة بتجربة هذه الكبسولة على 6800 شخص في 100 قرية إيرانية، نصفهم أُعطوا الكبسولة مع نصائح عن كيفية خفض احتمالات الخطر لديهم، بينما أعطي النصف الآخر النصائح فقط. وبعد خمس سنوات من بدء الدراسة تعرض أفراد المجموعة التي تلقت النصائح فقط لحوالي 300 إصابة بالذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية، بينما تعرض أفراد المجموعة التي تلقت نفس النصائح، مع الكبسولة المتعددة، إلى 200 إصابة بالذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية، أي معدل إصابات أقل بمقدار الثلث.
وتأتي نتائج هذه الدراسة في وقت تحتل فيه أمراض القلب والشرايين رأس قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، حيث تتسبب هذا الطائفة من الأمراض وحدها في أكثر من 15 مليون وفاة بشرية سنوياً، غالبيتها بسبب الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية، بينما يحتل ارتفاع ضغط الدم بالتحديد رأس قائمة (أسباب الوفيات الممكن تجنبها)، أي الممكن الوقاية منها من الأساس. وهو ما يجعل الوقاية من أمراض القلب والشرايين، وخصوصاً ارتفاع ضغط الدم، أحد أهم الأهداف الرئيسية في سعي الطب الحديث نحو مكافحة الوفيات التي يمكن تجنبها.
وبالفعل، تتوفر حالياً مجموعة متنوعة من العقاقير المختلفة، التي تستخدم لعلاج أمراض القلب والشرايين، أو لعلاج ارتفاع ضغط الدم، أو الوقاية من عوامل الخطر التي تسبب هذه الأمراض، مثل خفض الارتفاع المرضي في نسبة الكوليسترول في الدم، أو التحكم في مستوى السكر لدى المصابين بداء السكري. ورغم فعالية هذه العقاقير إلى حد كبير، فإن بها عيبين أساسيين؛ الأول التكلفة المرتفعة لهذه الأدوية، بدرجة ترهق ميزانية الكثير من المرضى، حيث تتحول أحياناً تكلفة الدواء للبعض منهم إلى أكبر بند في نفقاتهم الشهرية. والعيب الآخر، يتمثل في أن كثرة الأدوية، وارتباط معظمها بجرعات محددة، أو أوقات معينة لتعاطيها، أو علاقتها بأوقات الوجبات، تجعل الالتزام بتعاطيها بشكل سليم مهمة يصعب تنفيذها بحذافيرها بشكل يومي، خصوصاً لدى كبار السن. وهذان العيبان دفعا بالكثير من المرضى للتوقف عن تناول الأدوية الموصوفة لهم، والاستسلام لمرضهم وقدرهم.
وتندرج الكبسولة التي استخدمت في الدراسة المذكورة آنفاً، تحت مفهوم الحبة المتعددة أو ما يعرف إعلامياً بالكبسولة المعجزة. هذه التسمية الجديدة على الطب، تشير حالياً إلى فكرة جمع عدة عقاقير ومركبات علاجية في حبة واحدة، بشرط أن تكون كل تلك العقاقير ذات أثر مرغوب فيه، على صعيد الحماية والوقاية ضد الإصابة أو الوفاة، من الأمراض القلبية. ويعود أصل هذه الفكرة إلى عالمين بريطانيين، نشرا في يونيو عام 2003 مقالاً طبياً شهيراً بعنوان «استراتيجية خفض معدلات الإصابة بأمراض القلب والشرايين بنسبة ثمانين في المئة». في هذا المقال الذي نشر في الدورية العلمية المرموقة (British Medical Journal)، تنبأ العالمان بأن استخدام كوكتيل من أدوية القلب المعروفة، وزهيدة الثمن، ووضعها في حبة واحدة، من شأنه أن يمنح وقاية شديدة الفعالية ضد أمراض القلب.
وقدم هذان العالمان نموذجاً إحصائياً، معتمداً على العديد من الدراسات التي أجريت حول أفضل سبل الوقاية التقليدية، أثبتا من خلاله أنه يمكن خفض معدلات الإصابة بأمراض القلب والشرايين، بما في ذلك شرايين المخ، وبنسبة تصل إلى ثمانين في المئة. وتأتي روعة هذه الفكرة –بخلاف فعاليتها الشديدة- من أن العقاقير التي اقترحها العالمان زهيدة الثمن، ومعروف عنها انخفاض آثارها الجانبية. وترتكز هذه الاستراتيجية الوقائية على تحقيق ثلاثة أهداف:
1) خفض ضغط الدم.
2) خفض مستوى الكوليسترول.
3) مع تعاطي جرعة صغيرة من الأسبرين يومياً.
وهي الأهداف المعروف عنها تأثيرها الإيجابي على احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين.