الغارقون في الأحداث الآنية، والمترعون بالشعارات الشعبوية، أو الممتلئون بالمصالح الشخصية لا يفرقون كثيراً بين خيارات الماضي وقرارات الحاضر ومآلات المستقبل، فأولوياتهم مختلفة وأهدافهم كذلك، فكل ميسر لما خلق له.
ولكن يجب أن نستحضر هنا لحظات تاريخية مهمة، قديماً وحديثاً ومعاصراً، فما مضى يمنح قدرةً أكبر على اكتشاف المستقبل الذي يجب ألا تنفصم عراه ولا تفترق سبله، وسيرى كثير من المستعجلين اليوم أنهم يوغلون في صغائر ليست ذات أثر مهم في المستقبل.
العلاقات بين الإمارات والسعودية قامت تاريخياً قبل نشوء الدول الحديثة بتسمياتها وحدودها، وكانت تتراوح بين الولاء وأنماط أخرى من العلاقات بحسب قوانين ذلك الزمان، ولكنها اتسمت مع الدولة السعودية الثالثة بقيادة الملك عبد العزيز بولاء وتواصلٍ مستمرين، وبدعم قدمه الملك عبد العزيز لبعض قيادات الإمارات والذي نوّهت له بعض المصادر التاريخية بما يشير إلى ودٍ قديم وصداقة، وبالنجاحات الإماراتية في ضرب بعض الخصوم في المنطقة ودخل زايد الكبير لبعض العواصم المارقة اليوم، وموقفها المستقل في الصراعات التي دارت حينذاك بين القوى الكبرى في الجزيرة العربية والعلاقات مع الدول العظمى حينذاك.
مرّت المراحل، وسعى التاريخ في دربه، وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة، وحكم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فكان نعم الحليف الموثوق ونعم الشريك المهم، في تأسيس مجلس التعاون الخليجي وفي الجامعة العربية، وفي التأكيد الدائم على أن السعودية هي العمق الاستراتيجي والحليف الأهم، وتطورت العلاقات وتنامت.
وعلى النهج ذاته يسير أبناء زايد، يوزنون الأمور بحكمة، وتطورت الإمارات وقويت على كافة المستويات، تطوراً أقر به ولي العهد السعودي بنفسه لاحقاً، لأن الكبير يصنع المعجزات، وكانت لحظات مثيرة في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، اختلفت فيها الوجهات وتبدلت التوجهات في دول الخليج، وصدر القرار الإماراتي عن وصية زايد والرهان الأصوب في الإصرار على التحالف مع السعودية في حين كانت رهانات قطر تدفع لمدة عقد من الزمان على عداء السعودية وحلم إسقاطها وتقسيمها، وكان ذلك القرار قراراً تاريخياً يُحسب للإمارات.
وانطلقت من هناك استراتيجيات جديدة ورؤى حديثة وسياسات مختلفة، ومرت عواصف كبرى، أزمات اقتصادية دولية خانقة، وربيع أصولي إرهابي، ومشاريع معادية كبرى، فماذا جرى؟ أقامت السعودية تحالفات قوية حول العالم، وبنت مصالح متعددة مع دوله ومؤسساته، وكانت الإمارات في مقدمة الحلفاء المخلصين، وفي صدر هذا التحالف العربي، بقرار واعٍ ورؤية صائبةٍ.
ويمكن لمن يريد فتح الملفات أن يراجع التاريخ، ويقرأ المواقف، ويحاكم السياسات، وهو أمر متاح للجميع، ولكن القراءات ستختلف بطبيعة الحال، فالمشاريع المصطرعة في المنطقة لها أهداف مختلفة ورغبات متباينة.
ثمة سؤال يجب طرحه، وهو من المستفيد من خلق صراع مختلق بين السعودية والإمارات؟ قطر أولاً وإيران وتركيا ثانياً، وبعض الموهومين الذين يسعون بشعاراتهم الشعبوية لإضعاف السعودية وجعلها وحيدة في الصراعات الدولية والإقليمية المحتدمة.
سؤال آخر، هل لدى الإمارات مصالح تختلف عن مصالح السعودية؟ نعم ولا، نعم بأنها راهنت بكامل وعيها على التحالف مع السعودية وأنها دولة مستقلة واعية بدورها ومصالحها وغايتها، والحليف العاقل خير من التابع الجاهل، ومن حقها رعاية مصالحها، ولا، لأنها لا يمكن تصوريها بأنها عدوٌ أو خصم، إلا لدى المغرضين.
أخيراً، فالتصريحات الرسمية هي القائد، والمواقف المعلنة للدول هي الرائد، وخلق الموجات المغرضة شيء يعرفه الجميع، وتجريب المجرب لا يجدي.