لديها شريط ساحلي جميل تهبّ عليه الرياح، وعاصمة صديقة للدراجات الهوائية. ولديها شركات ذات تنافسية دولية، ومزارع رياح مبهرة، وقاعة أوبرا رائعة. كما أنها كثيراً ما تتصدر قائمة أسعد البلدان في العالم – هذا العام، حلت في المرتبة الثانية، بعد فنلندا، وقبل الولايات المتحدة بكثير. غير أنه في هذا النقطة المفصلية من التاريخ تحديداً، ربما حان الوقت لطرح السؤال: ما فائدة الدنمارك على كل حال؟
أو بشكل أدق: لماذا نحتاج حليفاً دنماركياً؟ في الأحوال العادية، ما كنتُ سأزعج نفسي بطرح هذا السؤال، ناهيك عن أن أقضي جزءاً من الثانية في الإجابة عنه. فالدنمارك حليف رسمي للولايات المتحدة منذ انضمامها إلى حلف «الناتو» عام 1949. وعلى مدى 70 عاماً، لم يشكك أحد أبداً في أهمية الدنمارك الاستراتيجية في بحر البلطيق، أو إمكانية الاعتماد عليها كحليف، أو عضويتها في مختلف النوادي التي تشكّل الغرب. ولكن مشاحنة الرئيس دونالد ترامب السخيفة مع رئيسة الوزراء الدنماركية – التي وقعت بينما كان يستعد لبدء ما يفترض الجميع أنها جولة كارثية أخرى إلى أوروبا – جعلتني أعتقد أنه حان الوقت للعودة إلى الأمور الأساسية: للتفكير من جديد بشأن الهدف من التحالفات الأميركية، وليس التحالفات مع بلدان كبيرة مثل ألمانيا أو بريطانيا فقط.
طبعاً، صحيح أن بعض جوانب هذه القصة الدنماركية الغريبة إنما تعكس حساسية ترامب المفرطة، وإيمانه الخاطئ بقدرته على «عقد الصفقات»، ولكن بعضها يعكس أيضاً ازدراء عميقاً جداً للبلدان الصغيرة.
«القوة هي الحق»، في دماغ ترامب الذي ينتمي لفترة ثلاثينيات القرن الماضي. وإذا اختارت بلدان كبيرة احتلال بلدان أصغر وضمها، فليكن.
هذه الحجة يمكن الرد عليها عبر الإشارة إلى الإسهامات التي أسهمت بها الدنمارك خلال السنوات الأخيرة لمصلحة السياسة الخارجية الأميركية. فبعد 1989، أعاد الدنماركيون تنظيم جيشهم، فأنشأوا قوات خاصة للقتال في بلدان أخرى مصمَّمة لمساعدة الولايات المتحدة. وأرسلت الدنمارك جنوداً إلى العراق، وفي أفغانستان، تكبد الجيش الدنماركي 43 إصابة. ومنذ 1951، استضافت الدنمارك أيضاً قاعدة جوية أميركية مهمة في جرينلاند - وهو إقليم دنماركي يتمتع بالاستقلالية ويحكم نفسه بنفسه وليس معروضاً للبيع. كما تقوم الدنمارك بمساهمات مهمة في التفكير الحديث بشأن الحرب المعلوماتية والأمن السيبراني أيضاً.
بيد أن القيمة الحقيقة لتحالف الدنمارك مع الولايات المتحدة تكمن في مكان آخر. ذلك أن المهم حقاً، على المدى الطويل، ليس هو المساهمات الدنماركية بالجنود فقط، وإنما أيضاً حقيقة أن الدنمارك – وعلى غرار البرتغال وإستونيا والفلبين وبلجيكا – ليست في حرب مع أي أحد، وليست هدفاً للغزو، وليست منشغلة بتنافس عنيف مع أحد جيرانها. والواقع أن الدنمارك كانت خلال جزء كبير من القرن التاسع عشر في صراع دائم مع ألمانيا، تماماً مثلما كانت فرنسا في حرب مع إسبانيا ذات يوم، واليابان مع كوريا الجنوبية. هذه الأنواع من الصراعات – على الأراضي والنفوذ والتجارة – بين بلدان كبيرة وبلدان صغيرة في عالم «القوة هي الحق» شغلت الزعماء، ودمّرت الأراضي، وتطوّرت في القرن العشرين إلى معارك الحربين العالميتين الأولى والثانية القاتلتين.
غير أنه منذ 1945، توقف حلفاء الولايات المتحدة الكبار والصغار في أوروبا والمحيط الهادئ عن محاربة بعضهم بعضاً. وبدلاً من ذلك، اتفقوا على أن تقودهم الولايات المتحدة، وأن يلتزموا بمجموعة من الأنظمة والقواعد التجارية المفيدة لجميع الأطراف تضعها الولايات المتحدة، وإنشاء أسواق كبيرة للشركات الأميركية ما كانت ستكون ممكنة في عالم «القوة هي الحق» الشرس والوحشي. واليوم، تُعد البلدان الصغيرة مثل الدنمارك أماكن آمنة للاستثمارات الأميركية طويلة المدى. ذلك أنها تلتزم بالاتفاقيات التجارية الدولية، ولا تصادر الملكية الأميركية أو تدمّرها أثناء الحرب.
وبالتالي، كلا، إن إهانة رئيسة الوزراء الدنماركية، أو إلغاء زيارة رئاسية أميركية إلى كوبنهاغن بشكل تعسفي، ليست فكرة جيدة. ولا شك أنه عندما تسعى الولايات المتحدة لاستعراض القوة في أفغانستان أو العراق، فإن الدنمارك يمكن أن تكون مفيدة. غير أن عضوية الدنمارك في حلف «الناتو» والنظام الدولي القائم على القوانين الذي يكرهه ترامب كرهاً شديداً هو تذكرة أميركا الذهبية إلى الأمن والرخاء.
*أكاديمية ومؤرخة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»