بعد سنوات من العمل الدؤوب والشاق والمكلف الذي يقوم به التحالف العربي لإعادة الشرعية والأمن والاستقرار إلى اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، ومن ثم الشروع في عملية إصلاح واسعة تعيد اليمن إلى طبيعته الأولى كي يصبح فاعلاً ومؤثراً في الشأن العربي العام، وكبلد يُراد حماية اقتصاده من الانهيار، وكشعب حر أبي ينبغي تحصينه من خطر الإرهاب الذي غرسته «القاعدة»، ثم شرعت «داعش» في الإطلال بأنفها وشبحها البغيض فيه لتأجيجه وزيادة سعير ناره الملتهبة، ها هو الجنوب اليمني يلتهب من أقصاه إلى أقصاه دونما مبرر واضح أو سبب منطقي واحد يجعل الإنسان في الوطن العربي يستوعب ما يدور أو يقتنع به. ما يحدث في تقديري دعوة واضحة للإرهاب البغيض الذي تمارسه «القاعدة» وتؤججه «داعش»، ويستفيد منه دعاة الفوضى العارمة ورعاة الإرهاب في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي ممثلين في إيران وقطر و«حوثيي» اليمن.
اليمن بأوضاعه المتردية الحالية ليس في حاجة إلى المزيد من الفوضى والخراب والإرهاب وألاعيب ودسائس أمراء الحروب وتجارها، فهو يئن تحت وطأة تحديات حادة وقاسية على جبهات عدة، فهو يواجه منظومة من المخاطر المتجذرة على صعيد الاقتصاد والسياسة، بما في ذلك اغتصاب الشرعية من قبل «الحوثيين»، وتآكل البنية الاقتصادية التحتية، واستعار أوار الحرب الأهلية التي يتسبب فيها الحوثيون، وتراجع مخزونات النفط والمياه في شتى أنحاء البلاد، وتناقص ميزانية الدولة بسبب تراجع مواردها، واغتصاب «الحوثيين» جزءاً كبيراً منها وتبديده عن طريق الإنفاق على أنفسهم ومحاسيبهم وعلى متطلبات حرب اغتصاب الشرعية التي يشنونها، ومن الصراعات الأهلية ومن المزايدات السياسية التي تظهر في شكل حركات تمرد، ومن التدخل الإيراني السياسي والعسكري الذي ينخر في عظام اليمن بدعاوى مذهبية وطائفية، أهل اليمن منها براء. اليمن يعاني خطر الإرهاب الآتي من وجود فلول «القاعدة» والأفغان العرب الذين لجأوا إلى اليمن، وهو الخطر الأعظم في هذه المرحلة على اليمن واليمنيين.
وأياً كانت الجهات اليمنية التي تشارك الآن في الفوضى والدمار الحاصلين بمقاطعات الجنوب ومدنه، سواء كانت شبوة أو حضرموت أو عدن أو زنجبار أو غيرها، فإن الجهة المستفيدة من ذلك هي الإرهاب والإرهابيين ومن يرعاهم في طهران أو قم أو الدوحة أو الضاحية الجنوبية من بيروت، دع عنك جانباً ما استفاده «الحوثيون» حتى الآن من شق الصفوف وتشتيت الجهود وهدر الطاقات، سواء كان ذلك من مقدرات اليمن ذاته أو من جهود وإمكانيات التحالف العربي في اليمن.
لذلك، فإن ما يحدث الآن في مناطق ومدن الجنوب هو خدمة وهدية للإرهاب ولإيران ولقطر ولـ «الحوثيين»، يُقدِم لهم على طبق من ذهب ما لم يكونوا يتوقعون أن يصلهم في يوم من الأيام، وهو مزيد من الإشغال العبثي للجهات كافة التي تعمل على إعادة الشرعية إلى البلاد، وهزيمة الإرهاب والإرهابيين فيها.
لذلك فإن الحكمة الإنسانية وتغليب مصلحة اليمن كوطن بعيداً عن المصالح الفئوية والجهوية والخاصة، تتطلب من أولئك الذين شرعوا في الفوضى الحاصلة حالياً التي اضطرت قوات التحالف العربي إلى محاربتها لكي تحرر عدن من أيديها بعد أن كانت تعمل على تحرير صنعاء وحدها من يد «الحوثيين» وإيران، أن يتوبوا عما هم ضالعين فيه من إساءة إلى اليمن وشعبها الأبي، وأن يتراجعوا عن الغي والضلال وما أوقعوا أنفسهم فيه. اليمن مثقل بالمآسي التي يمر بها، وهو يفقد شيئاً فشيئاً الموارد التي يحتاج إليها لإطعام أبناء شعبه وعلاجهم وتعليمهم، وأقول لمن شرعوا في الفوضى الحالية: هل أنتم مستجيبون لنداء العقل والحكمة، من أجل استقرار اليمن السعيد؟
*كاتب إماراتي