حتى في الوقت الذي تستعر فيه حرائق الغابات في البلدين الجارين، البرازيل وبوليفيا، لم يظهر أي منهما ولو قليلاً من الحب تجاه الآخر. وتركز الاهتمام الدولي على كلا البلدين بعد أن اشتعلت النيران في مساحات واسعة من غابات الأمازون التي يُطلق عليها «رئة» العالم. فقد شهدت البرازيل زيادة بأكثر من 80% في عدد الحرائق مقارنة بعام 2018، وظهرت عناوين إخبارية على امتداد العالم، حين لفّت سحابة سوداء مدينة ساو باولو الأسبوع الماضي. ولفّت سحابة مشابهة سانتا كروز، أكبر مدن بوليفيا. وأتت النيران على منطقة «شيكويتانيا» البوليفية الشاسعة المغطاة بغابات كثيفة على حدود البرازيل وباراجواي، مما يهدد حياة مئات الأنواع الحيوانية. ويشير أحد التقديرات إلى أن تعافي غابات بوليفيا قد يحتاج إلى قرنين.
لكن لا تتوقعوا أن يهب الرئيس البرازيلي خايير بولسونارو أو نظيره البوليفي إيفو موراليس إلى مساعدة الآخر. فحين تولى بولسونارو، وهو من أقصى اليمين، منصبه بداية هذا العام، غرد نظيره البوليفي، والذي يعد حصن اليسار في أميركا الجنوبية، على «تويتر» معبراً عن اشمئزازه من «عودة ظهور أيديولوجية تفوق البيض لجماعة كو كلوكس كلان» في سياسات أميركا الجنوبية. ومشاعر الاشمئزاز متبادلة. فأثناء مراسم التنصيب، وصف أنصار بولسونارو الرئيس البوليفي، وهو الزعيم اليساري الوحيد الذي حضر المراسم، بأنه «شيوعي» و«هندي تافه».
ومنذ تولي موراليس السلطة عام 2005 لم يخجل الرئيس البوليفي من أصله، وقد عبّر عن رغبته في النهوض بأكثر الجماعات تهميشاً في بلاده. واستغل موراليس ازدهاراً في صادرات الغاز الطبيعي والمعادن ليعيد توزيع الثروة ويصعد بمئات الآلاف من البوليفيين إلى الطبقة الوسطى، من خلال خطط اجتماعية شعبوية دفعت إلى إعادة انتخابه عامي 2009 و2014. ورغم أن بوليفيا ما زالت أفقر دول القارة، فإن حصة الفرد من الإنتاج المحلي الإجمالي فيها ارتفعت ثلاثة أضعاف خلال رئاسة موراليس، لكن شعبيته تضعف؛ فهو يسعى لفترة رئاسية رابعة غير مسبوقة في أكتوبر المقبل، في محاولة ما كان له أن يستطيعها إلا بعد ما يعتقد أنه احتيال من جانبه على نتائج استفتاء أجري عام 2016 كان يستهدف منعه من إلغاء فترات الرئاسة المسموح بها في الدستور.
وكراهية بولسونارو تجاه أقليات الجماعات الأصلية واليساريين تمثل علامة مميزة لسياساته ومواقفه. وقد وصف خصومَه المحليين أثناء حملته الناجحة عام 2018 بأنهم  يساريون محتملون. ويسعى بولسونارو إلى تحقيق تعهدات حملته الانتخابية، ومنها، كي يستفيد من ذلك في دعم القطاع الزراعي القوي في البلاد.
ويشير منتقدون، من بينهم سياسيون بارزون في أوروبا ومناطق أخرى، إلى أن بولسونارو جعل المزارعين وقاطعي الأخشاب يتجاسرون ويضرمون النيران لإزالة الغابات. وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة السبع الصناعية الكبرى في فرنسا مؤخراً، عن تمويل على الفور بقيمة 20 مليون دولار للمساعدة في التصدي للحرائق في الأمازون. وهدد ماكرون وزعماء أوروبيون آخرون بتجميد صفقة تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي وبين تكتل لدول أميركا الجنوبية بسبب سياسات بولسونارو.
لكن هذا اللوم لم يفلح مع قيادة البرازيل. فقد كتب صحفيون من «هافبوست برازيل» يقولون إن «بولسونارو جعل من استخفافه لجماعات الأقلية التي تعتمد على الأمازون علامة مميزة لرسالته السياسية. والزعيمان يشتتان الانتباه الآن بعيداً عن الانتقادات الضارية ومعدلات التأييد المنخفضة لهما في الداخل، بتصوير الانتقادات من وسائل الإعلام أو الدول الأخرى على أنها تقاذف بالوحل غير نزيه من خصوم أيديولوجيين».
ورد بولسونارو غاضباً على منتقديه. ورفضت حكومته في الأيام القليلة الماضية مساعدات مجموعة السبع، معلنةً أن الأموال يجب استخدامها بدلاً من هذا في نشر الغابات في أوروبا وإنقاذ كاتدرائية نوتردام الشهيرة في باريس التي تعرضت لحريق هائل في وقت سابق من العام الجاري.
ورغم الخلاف بين موراليس وبولسونارو، فهما يشتركان في التسبب بما حدث هذا الصيف. فقد قللت إدارة الرئيس البوليفي في بداية الأمر من شأن نطاق الحرائق قبل أن تدرك اتساعها المروع. وعلق موراليس حملته الانتخابية للمساعدة في تنسيق استجابة الحكومة. ثم غير موقفه بعد تحفظ في بداية الأمر، وأعلن قبوله أي مساعدة من العالم لدعم جهود بوليفيا في مكافحة النيران. لكن منتقدين يجادلون بأن الحرائق في بوليفيا ناتجة أيضاً عن سياسات شجعت على قطع الغابات، بما في ذلك مرسوم صادر في الآونة الأخيرة استهدف دعم إنتاج لحوم الأبقار بغرض التصدير، مما أثار غضب المجتمع المدني البوليفي.

*صحفي متخصص في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»