في قمة الدول الصناعية السبع الكبرى، التي عقدت في فرنسا مؤخراً، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائلاً: «الأمر يتعلق بالطريقة التي أتفاوض بها، إنها تجدي نفعاً كبيراً مع مرور الأعوام وهي أفضل للبلاد». وكان ترامب يتحدث عن تأرجحه في الأيام القليلة الماضية بين الإشادة بالصين وانتقادها بشدة، مجادلاً بأن الحرب التجارية التي أطلق نفيرها جيدة لأميركا، رغم تراكم الأدلة بأنها قد تدفعنا نحو ركود اقتصادي. والواقع أنه نادراً ما توافر دليل أوضح على أن ترامب، في الواقع، مفاوض ليس بارعاً، وأن الثمن الذي يدفعه الأميركيون لذلك مقدماً في تصاعد.
لقد وقع ترامب تحت تأثير سلسلة من المفاهيم غير الدقيقة، نشأت في ظل ما يبدو أنه عدم اهتمام تام بفهم الطريقة التي تبدو عليها الحرب التجارية من المنظور الصيني. فلا يستطيع المرء التوصل لصفقة جيدة ما لم يفهم ما يريده ويحتاجه الطرف الآخر، وما هو مستعد لتحمله، وما لا يمكنه الالتزام به. والرجل الذي ألّف كتاباً بعنوان «فن إبرام الصفقات»، لم يفهم هذا فيما يبدو. وتدور نظرية تصعيد حرب تجارية حول أن كلا البلدين لا بد أن يعانيا، لكن الدولة الأخرى ستكون أقل قدرة على تحمل الضرر، ومن ثم ستستلم لشروطك.
وجميع الناس يعلمون أن الصين تبيع سلعاً وخدمات لنا أكثر مما تشتري منا، ولذا قد يعتقدون أن الصينيين سيخسرون أكثر. لكن هذا الفهم يتجاهل التفاعل بين السياسة والاقتصاد الذي يعمل بشكل مختلف للغاية في كل بلد. فالصين لديها نظام سياسي خاص بها وزعماؤها بمنأى نسبي عن تقلبات المزاج الشعبي قصير الأمد، كما هو حال الزعماء في النظام السياسي الأميركي. فلا بد أن يشعر ترامب بالقلق بشأن إعادة انتخابه في عام 2020، وإذا ما أراد تمديد الحرب التجارية لعام أو عامين، فإن ذلك يثير إلى حد كبير احتمال أن لا يكون رئيساً للبلاد بعد 17 شهراً من الآن، أما الرئيس شي جين بينج فبوسعه فعل ذلك.
وفي مؤتمره الصحفي، أكد ترامب مراراً أن الحرب التجارية كلفت الصين ثلاثة ملايين وظيفة. ومن غير الواضح من أين أتى ترامب بهذه الأرقام. لكن حتى لو افترضنا صحتها، فهي لا تمثل دليلاً كبيراً على أن الصينيين يعانون أضراراً اقتصادية كبيرة ستدفعهم إلى طلب النجدة. ففي بلد يقطنه 1.4 مليار نسمة، فهذه نسبة صغيرة للغاية من السكان لا تكفي لإثارة أزمة سياسية. ومعدل البطالة في الصين، رسمياً على الأقل، تحت 4%، أي ما يساوي تقريباً نسبة البطالة لدينا، وهذا يعني أن هؤلاء الناس قادرون على البحث عن عمل آخر.
لكن ترامب مقتنع بأن الصين تتضرر أكثر منا، وقد قال في مؤتمره الصحفي: «أعتقد أنهم سيتوصلون إلى صفقة ويجب عليهم ذلك، وإذا لم يفعلوا فهذا سيكون سيئاً للغاية للصين». والشق الثاني من حجة ترامب هو أن اقتصاد أميركا ضخم، لدرجة أنه أكثر قدرة على تحمل الضرر من الاقتصاد الصيني. ولا يرجح أن يكون هذا مقنعاً للغاية لمن تضرروا مباشرة من الحرب التجارية، بما في ذلك طائفة مهمة من جمهور الناخبين، مثل المزارعين الذين تتزايد الضغوط عليهم مع تضرر دخولهم بسبب الإجراءات الصينية المقابلة التي لا مفر منها. وأصحاب الصناعات المحلية الذين من المفترض أن يستفيدوا من زيادة الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، لم يستفيدوا أيضاً. وبعض شركات التصنيع تترك الصين بالفعل لتجنب الرسوم، لكنها بدلاً من الإتيان بهذه الوظائف إلى أميركا، تنقلها إلى دول أجنبية أخرى منخفضة الأجور مثل فيتنام. كل هذا بالإضافة إلى العواقب الاقتصادية الأوسع نطاقاً، التي قد تؤثر على كل الأميركيين إذا أدت الحرب التجارية إلى ركود.
ومن المؤكد أنه إذا حاول شخص ما أن يشرح لترامب الأسباب التي تجعل الصين في وضع أفضل من الولايات المتحدة، في قدرتها على تحمل استمرار هذه الحرب التجارية، سيشعر الرئيس الأميركي بالملل ولن يوليه اهتماماً. وفهم الجانب الآخر ليس جزءاً من حسابات ترامب في إبرام الصفقات. لقد شهدنا هذا في مبادراته التشريعية المتعددة، من محاولة إلغاء قانون الرعاية الميسورة إلى إغلاق الحكومة بين عامي 2018 إلى 2019. وفي كل مرة لا يظهر دليل على أنه يعلم أي شيء عن أعضاء الكونجرس الذين يحتاج إلى أصواتهم، ولا يهتم بالدوافع أو المخاوف التي يواجهونها. وفي كل مرة يخسر. وفي مرحلة ما، سيحدث الشيء نفسه في حرب التجارة. وسيصبح الضرر الاقتصادي الواقع على الولايات المتحدة أوضح، وستتقلص فرص ترامب في إعادة الانتخاب.

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»